أجرى المرصد خلال النصف الأول من سنة 2024، بحثا وطنيا ميدانيا حول تمثلات الفاعلين داخل عينة من المؤسسات التعليمية الابتدائية العمومية والمعنيين ببرنامج مدارس الريادة الذي تم إطلاق مرحلته التجريبية على مستوى 628 مؤسسة خلال الموسم الدراسي 2023-2024، وذلك في إطار خارطة الطريق الإصلاح منظومة التربية الوطنية خلال الفترة الممتدة بين 2026-2022.
وتوصل البحث الميداني، الذي أجري على عينة مكونة من عشرة مدارس، إلى أن الإصلاح التربوي قد ولج قاعة الدرس، وقد أصبح واقعا يوميا يمارس بمنطق مبني على التسلسل المتدرج المغري على التتبع والمحفز الجماعي على المثابرة في تحصيل النجاعة المطلوبة المقدرة على الوقع التربوي الإيجابي لدى الطفل المتعلم.
وأظهر البحث أن هناك اتفاق لدى غالبية المشاركات والمشاركين في البحث على أن برنامج مدارس الريادة بعد مكسبا تربويا وجب تثمين نتائجه الإيجابية الأولية وتحصين مكتسباته باعتبارها رهانا جماعيا للنهوض بالمدرسة العمومية خلال السنوات المقبلة.
وكشفت نتائج البحث، أن هناك وعي لدى الأطر التربوية أساتذة ومفتشين على أن القاعدة المثالية لإنجاح تحديات البرنامج تكمن في التعبئة الجماعية والقبول بضرورة الثقة في جدوى الإصلاح وما تستلزمه هذه الثقة من تغيير ثقافي لمنظور العملية التربوية، حيث الغاية الأسمى ليست المطاوعة السلوكية القهرية للقاعدة البيداغوجية، كما هي مشروطة في الدلائل التربوية التوجيهية، وإنما تجسيد الأثر على عملية اكتساب المعرفة لدى التلميذ والتأكد من وجوده عبر قواعد تقييم شفافة وموضوعية ومعيارية وموحدة غير محسوم قبليا في نتائجها.
وبينت نتائج البحث، أن السببية الموحدة للرغبة في الانخراط في إنجاح رهانات برنامج مدارس الريادة مركبة تجمع بين عوامل مترابطة، منها على وجه الخصوص ما تردد بشكل لافت في إجابات المساهمات والمساهمين في البحث الميدانية، تتمثل أساسا في كون البرنامج فضاء يغري على الاجتهاد، إلى جانب طريقة إدارة الدرس، التي تحفز على الانخراط فيه، والاستماع الإيجابي للمتعلم والتفاعل البناء مع حاجاته لتحسين مهاراته ومداركه التعلمية.
إلى جانب حصول لدى التلميذ الرغبة في المدرسة، خاصة عند هؤلاء ممن لديهم تعثرات تعلمية في بعض المواد الأساسية، والإحساس بالاستمتاع بالوجود داخل القسم، ناهيك عن الإحساس بالأمان لدى الاساتذة في علاقتهم بمستلزمات المراقبة التربوية الروتينية، حيث الإبداع والاجتهاد في التدبير الزمني للدرس لم يعد في رأيهم مخالفة مهنية أو عيبا منهجيا وجب تداركه، وإنما مبادرة قابلة للتثمين والتقويم في إطار مقاربة نقدية مبنية على الحجاج البناء كما أن المنتظر من الدرس ليس إلمامه وفق ما تضمنته الكتب المدرسية من معلومات وأفكار وتمارين بطريقة خطية محسومة سلفا بدون استشارة للأستاذ، وإنما الحرص على ملاءمته مع السياق النفسي والاجتماعي للمتعلمين في إطار من المسؤولية المشتركة بين الأستاذ والمفتش المواكب.
وسجل التقرير، أن هذا البرنامج ساهم في التركيز على تجويد وتحسين مردودية الاكتساب لدى التلميذ والقياس المستمر لحصول الأثر لديه على مستوى التعلماتالأساسية، حيث جعل منظور التغيير المنشود من الإصلاح التربوي يتحول من منطق تحقيق العدالة المشروطة بالمساواة في الاكتساب وفي التحصيل إلى منطق العدالة المرهونة بإنصاف المتعثرين، وفق تصور يوافق أحد القيم الكونية التي تتأسس عليها أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث المبدأ الموجه لكل إصلاح تربوي عميق هو ألا يترك أحد جانبا.
ولم يستثني التقرير، تنزيل التكنولوجيا الرقمية في التواصل بين الأستاذ والمفتش المواكب، وفي إعداد وتقديم الدرس، حيث ساهم الأمر في تحفيز الأستاذ على تنويع أدوات الشرح واختبار مهارتي الفهم والاستيعاب لدى التلاميذ، كما مكن التلميذ من التركيز أكثر وعلى المشاركة داخل القسم.
وكشف التقرير، أن هناك فرق ظاهر للعيان في المزاج العام بين المدرسة المحتضنة للبرنامج وبين المدرسة التي ما تزال تعتمد المقاربة التربوية المعيارية التقليدية، معتبرا أن محفزات العناية والاهتمام بالأثر التربوي على مستوى التعلمات لدى التلميذ متوفرة أكثر داخل النوع الأول، أي المؤسسة المحتضنة لتجربة برنامج مدارس الريادية.
وأظهرت تجربة اللقاءات التناظرية بين أساتذة المؤسسات المحتضنة لتجربة البرنامج والمؤسسات الأخرى، أن الثقة في قدرات الأستاذ داخل برنامج – مدارس الريادة جعلت منه ميسرا للتغيير ومرافعا عليه، كما جعلت منه الية ناجعة لتحسيس وتكوين الأقران.
ولم يتوقف التقرير، فقط عن النقط الإيجابية للبرنامج، بل استحضر العديد من التحديات المستقبلية، أبرزها تعميمه الجزئي.
وذكر التقرير أهمية الاستفادة من الصعوبات التي شهدتها عملية لتثبيت البرنامج في بداية المرحلة التجريبية خلال الدخول المدرسي – 2023 2024، خاصة فيما يتعلق بإنهاء أوراش تأهيل الفضاءات الداخلية للمدارس وتجهيز الأقسام بالمعدات التكنولوجية، إلى جانب استباق حاجيات الأساتذة للتكوين المستمر والمواكبة في مرحلة الاستئناس باستعمال التكنولوجيا الرقمية في العملية التربوية.
وأكد التقرير على ضرورة مأسسة التواصل والتتبع الإداري والتربوي للبرنامج وتأطير التواصل بشأن ذلك بمنهجية مؤمنة إداريا، ومقننة بقواعد مسطرية توازن بين شرط السرعة في التفاعل وتقاسم المعلومات وبين شرط التأطير الإداري المتعارف عليه داخل القطاع.
وأفاد التقرير أنه يجب تأطير مرحلة تعميم البرنامج بنظام لمؤشرات النجاعة ومراقبة مساري التثبيت والتنفيذ وفق رؤية ونظرية تغيير مشتركة ومتقاسمة بين مختلف الفاعلين المعنيين.
وسجل التقرير أن هناك إجماع لدى الأساتذة على ضرورة الخراط الأسر وأولياء التلاميذ في البرنامج، لأن من شأن ذلك أن يضاعف حظوظ نجاح المدرسة العمومية في التحكم إيجابيا في المسار التربوي للتلميذ.
وطالب الأطر التربوية بضرورة استدامة البرنامج عبر تأمين تواصل مستمر وتقييمات منتظمة وتفاعل سريع للإدارة الوصية مع حاجيات صيانة المعدات وتزويد المؤسسات بالإمكانيات والتجهيزات اللازمة لاستباق انقطاع الكهرباء خاصة في المجال القروي.
وخلص التقرير إلى أن هناك توجس عام لدى الأساتذة من التأثير سلبا لعامل الاكتظاظ على مردودية البرنامج.
ويذكر أن الغاية من البحث الميداني هو تقييم المرحلة التجريبية من البرنامج المذكور بناء على تمثلات وإدراكات الفاعلين داخل المؤسسات الابتدائية، وهم أساتذة وتلاميذ ومفتشين تربويين ومدراة وآباء وأولياء التلاميذ، وقد انصب البحث الميداني على الإجابة عن السؤال المركزي التالي: إلى أي حد تتأثر تمثلات الفاعليين داخل المدرسة العمومية حول برنامج مدارس الريادة، بما فيهم الأساتذة والتلاميذ وأوليائهم، بتجاربهم الشخصية والجماعية اليومية، وما ينتجه البرنامج على مستوى الواقع خلال مرحلته التجريبية؟