كشفت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن حذر الحزب من تفاقم غير مسبوق في مستويات المديونية العمومية، وندد بما وصفه “عجزاً حكومياً” في إدارة المال العام، معتبراً أن السياسات المعتمدة حالياً تهدد التوازنات المالية للبلاد وتثقل كاهل الأجيال المقبلة، و قال الحزب إن الحكومة اختارت طريق الاستدانة بشكل مكثف وغير مسبوق، رغم ما سجلته خزينة الدولة من تطور لافت في الموارد الضريبية، التي بلغت مستويات قياسية بفعل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن مداخيل استثنائية حققتها من خلال تفويت ممتلكات عمومية من عقارات وشركات الدولة.
ووفق معطيات رسمية صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، فقد تجاوز الدين العمومي الإجمالي عتبة 1,050 مليار درهم مع نهاية 2024، منها حوالي 36% ديون خارجية، ما يمثل أكثر من 70% من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة تثير قلق الخبراء الماليين بالنظر إلى تراجع وتيرة النمو وضعف مردودية الاستثمارات العمومية.
ويرى محللون أن استمرار هذا النهج المالي دون وضع ضوابط صارمة للإنفاق وإصلاح هيكلي للمالية العمومية، ينذر بمخاطر حقيقية على الاستقرار الاقتصادي، من بينها تهديد تصنيف المغرب السيادي في الأسواق المالية، وارتفاع كلفة الاقتراض، وتقليص هامش التحرك أمام الأزمات المحتملة.
و تنعكس آثار المديونية المتفاقمة بشكل مباشر على الواقع اليومي للمغاربة، خاصة في ظل تجميد التوظيف في قطاعات حيوية، وتقليص ميزانيات الاستثمار الاجتماعي، وفرض ضرائب ورسوم جديدة تمس القدرة الشرائية للمواطن. كما تؤدي المديونية إلى تآكل استقلالية القرار المالي الوطني، وزيادة تبعية البلاد للمؤسسات الدولية المانحة التي غالباً ما تفرض شروطاً تقشفية صارمة، و في ما يخص أزمة القطاع الفلاحي، اعتبر الحزب أن البرنامج الحكومي لإعادة تكوين القطيع الوطني للماشية، الذي رُصد له مبلغ 6.2 مليار درهم موزعة على موسمين، لا يستجيب لحجم الأزمة ولا يرقى إلى مستوى تطلعات الفلاحين الصغار والمتوسطين الذين يشكلون العمود الفقري للإنتاج الحيواني الوطني.
وانتقد الحزب ما وصفه بغياب الشفافية في توزيع الدعم، محذراً من تكرار اختلالات برامج سابقة، وعلى رأسها برنامج دعم استيراد المواشي، الذي شابه الكثير من الغموض في تدبيره، واستفادت منه ـ حسب تعبير الحزب ـ شركات مستجدة لا علاقة لها بالقطاع، تم تأسيسها فقط لاقتناص الدعم والإعفاءات الضريبية على حساب المهنيين الحقيقيين.
وأبدى الحزب استغرابه من استمرار ما أسماه “عجز الحكومة عن ممارسة الرقابة الصارمة على الأسواق وزجر الغش والاحتكار”، متهماً إياها بالسعي إلى تحميل المواطن البسيط كلفة هذا العجز، لا سيما في ظل الغلاء المستفحل الذي مس أسعار اللحوم والخضر والمواد الأساسية.
كما استنكر بشدة حملات إعلامية استهدفت المواطنين خلال عيد الأضحى، ووصفتهم بـ”غير المتضامنين” في وقت كانت الحكومة – بحسب البيان – هي المسؤولة عن إلغاء أجواء العيد، بسبب فشلها في ضبط السوق وتأمين الأضاحي بأسعار معقولة.
و يبدو أن قضية المديونية لم تعد تهم الخبراء والاقتصاديين فقط، بل أضحت اليوم شأناً شعبياً بامتياز، نظراً لتأثيرها المباشر على أسعار المواد الغذائية، وضعف الخدمات، وتراجع فرص التشغيل. ورغم الطفرة في الموارد الجبائية، فإن التوجه الحكومي نحو الاستدانة بدل الإصلاح، يطرح تساؤلات جدية حول نجاعة النموذج الاقتصادي الحالي، وحول القدرة على ضمان عدالة اجتماعية حقيقية لا تترك أحداً خلف الركب.