نزل ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بالوزارة، التي عرفت جهابدة كبار، إلى أدنى مستويات الاستشارة، حيث لا يلتقي كبار “القوم” ولكن يمضي وقته في أحاديث جانبية مع بعض من يسمون مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض الصحفيين، بينما تحتاج الديبلوماسية إلى استشارة خبراء في الميدان، سواء من قدماء الديبلوماسيين، أو من الفاعلين والأكاديميين ذوي الباع الطويل في العلاقات الدولية.
واختار بوريطة هذا النزول المؤثر سلبا على وزارة الخارجية، واكتشفنا أن أغلب من يستشيرهم “يضحك” عليهم رواد مواقع التواصل الاجتماعية نتيجة انعدام القيمة لما يكتبون، فهل يعتقد بوريطة أن مجرد تلقي المدائح على وسائط التواصل الاجتماعي يعني النجاح، مع العلم أن النجاح الديبلوماسي هو ثمرة جهود أكبر من بوريطة بكثير، حتى ظن أنه هو من استقطب الدول الإفريقية والعربية لفتح قنصليات بحاضريتي الصحراء المغربية.
ليس مفروضا في وزير الخارجية البحث عن طبالين وغياطين ومداحين، بل بالعكس كان عليه أن يبحث عن الصحفيين الذين ينبهونه للثغرات المرتكبة في الديبلوماسية المغربية، وبدل أن يتبادل الحديث مع “صغار القوم” كان عليه أن يسهر الليل والنهار بحثا عن طرق لمواجهة الإشكالات المطروحة على المغرب، الذي تعرف علاقته توترا ببعض البلدان وخصوصا تلك التي كانت تاريخيا حليفة للمغرب، والديبلوماسية ليست تبادلا للحديث و”تفريق الكلام” كما يقال ولكن بحثا عن طرق ليمر منها الماء وتحقيق مصالح الشعب المغربي، التي هي العنوان الأساسي للديبلوماسية.
عاش الصحفيون في ما مضى من زمن مع وزراء خارجية كبار مثل عبد اللطيف الفيلالي ومحمد بنعيسى والفاسي الفهري، ولم يكونوا كثيري الكلام ولا يتحدثون إلا عند الضرورة، وعندما يستجد الجديد يجمعون مدراء الصحف في “بريفينغ” كل ما يدور فيه “ON OFF”، اي غير صالح للنشر ولكن يعتبر خلفية لكتابات الصحفيين، بينما كلام بوريطة متوفر اليوم على الفيسبوك ويتبادله الجميع عبر الرسائل وفي المقاهي وغيرها.
الوزير الكثير الكلام مطلوب منه اليوم أن يفصح عن الطريقة التي تشتغل بها مجموعة من المؤسسات ومن بينها الوكالة الوطنية للتعاون الدولي، التي لم تعرف افتحاصا ماليا، رغم حصولها على المال العام، فهل يطلب الوزير، قبل رحيله، افتحاصا أم يتركها سائبة كما كانت؟