دق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ناقوس الخطر إزاء الوضعية الحرجة التي يتسم بها الوضع المائي والغذائي والطاقي بالمغرب، نتيجة عدة عوامل، ما يهدد أمنه على هذه المستويات، وكذا استقراره الاقتصادي والاجتماعي، داعياً إلى اعتماد سياسات متكاملة بين القطاعات لمواجهة التحديات، ففيما يخص الماء، أكد المجلس في رأي بعنوان “النكسوس في مجالات الماء والطاقة والغذاء والنظم البيئية”، أن المغرب يعيش أزمة مائية غير مسبوقة، تفاقمت نتيجة عوامل بشرية وبيئية ومناخية، حيث يقل نصيب الفرد بكثير عن عتبة الإجهاد المائي، وهو وضع مرشح للتفاقم بحلول سنة 2030.
وحسب المجلس، فإن تداعيات هذه الوضعية الحرجة لا تقتصر على الأمن الغذائي والطاقي فحسب، بل تمتد لتطال الصحة العامة، والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتؤثر أيضاً على قدرة المنظومة البيئية في البلاد على الصمود.
وفيما يخص قطاع الطاقة، توقف التقرير عند تفاقم التحديات المرتبطة بالأمن الطاقي والتوازنات المالية للمغرب، في ظل تبعيته للخارج، مما ينعكس على فاتورة استيراد الطاقة سنة بعد سنة، لاسيما مع الارتفاع الحاد في الأسعار الذي له تداعيات مباشرة على القدرة الشرائية لعدة شرائح من المستهلكين.
أما فيما يتعلق بالغذاء، أبرز التقرير أن المغرب يواجه تحديات متعددة ذات طابع ظرفي وبنيوي، خاصة في مجال السيادة الغذائية والأمن الغذائي، إذ يتفاقم الإجهاد المائي، وتتزايد تأثيرات التغير المناخي، إلى جانب تدهور وتراجع الأراضي الصالحة للزراعة وانخفاض خصوبة التربة، مما يؤثر سلباً على الإنتاج الفلاحي ويهدد استقرار المنظومة الغذائية.
وتتضافر هذه العوامل مع عوامل أخرى مثل تراجع مساهمة قطاعات حيوية كالصيد البحري والصناعات الغذائية في تلبية الطلب المحلي على الغذاء، والتوجه نحو الزراعات المسقية المخصصة للتصدير، وارتفاع الواردات الغذائية، والاعتماد على المدخلات المستوردة كالأسمدة والمواد الكيميائية والبذور، إضافة إلى الفقدان التدريجي للتراث الجيني الوطني، لاسيما الأصناف والسلالات المحلية، والمعارف والممارسات التقليدية.
وأكد المجلس أن الفقر والفوارق الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في المناطق القروية والنائية، يجعل بعض الفئات أكثر عرضة للهشاشة، لاسيما فيما يتعلق بالحصول على الغذاء السليم.
وحسب التقرير، فإن هذه الديناميات تهدد الأمن الإنساني وقدرة البلاد والساكنة على الصمود في مواجهة الصدمات المستقبلية، كما تزيد من حدة الاعتماد على الواردات الغذائية، وتشكل عقبة تحول دون تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصاً تلك المتعلقة بمكافحة الفقر والقضاء التام على الجوع.
وفيما يخص مجال النظم البيئية، فإنها تتعرض لضغوط شديدة نتيجة اجتثاث الأشجار، وحرائق الغابات، والتلوث، وتغيير استخدام الأراضي الفلاحية، والمخاطر المناخية، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، مما يُسرع وتيرة فقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة، وهذا بدوره يفاقم الهشاشة البيئية والاجتماعية والاقتصادية للمناطق المعنية.
وأكد المجلس أن ضعف التنسيق بين القطاعات يفاقم من هشاشة الأمن المائي والغذائي والطاقي بالمغرب، حيث يوجد ضغط متزايد على الموارد دون استراتيجية مشتركة ومتكاملة بين القطاعات، في إطار “النكسوس”.
وأبرز المجلس أنه ورغم الجهود المبذولة لتعزيز حكامة قطاعات الماء والطاقة والغذاء والنظم البيئية بشكل عام، فإن الاندماجية الفعلية بين هذه القطاعات لم تصل بعد إلى الهدف المنشود، بحيث أن القرارات المتخذة تتم وفق مقاربة قطاعية، وهو ما يحول دون الاستغلال الأمثل للموارد ويُضعف قدرة المجالات الترابية على الصمود، ويحد من فعالية السياسات العمومية ذات الصلة، فضلاً عن تمركز سلطة اتخاذ القرار، ما يفاقم من هشاشة البلاد أمام الأزمات المناخية.
وأضاف المجلس أنه في ظل هذا السياق المتسم بالتعقيد والهشاشة، تبرز مقاربة “النكسوس” كأداة استراتيجية أساسية لتدبير التفاعلات بين قطاعات الماء والطاقة والغذاء والنظم البيئية بشكل أمثل. حيث تهدف هذه المقاربة إلى تعزيز أوجه التآزر والحد من المخاطر، من خلال توفير فهم معمق للتداخلات القطاعية، بما يسمح بتدبير الموارد الطبيعية بشكل أكثر تكاملاً واستدامة.
و رصد تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي استنزاف الفلاحة المسقية للمياه السطحية والجوفية، خاصة في ظل الجفاف الذي يمر منه المغرب، ونبه إلى الانعكاس المباشر لغلاء الطاقة على ارتفاع أسعار الغذاء، مما يحد من وصول الفئات الفقيرة إلى الموارد الغذائية الأساسية.
وأبرز تقرير للمجلس تحت عنوان “النكسوس في مجالات الماء والطاقة والغذاء والنظم البيئية” أن الفلاحة المسقية تستهلك نحو 87% من الموارد المائية القابلة للتعبئة، كما أنها تغطي على النقص بالاعتماد على المياه الجوفية مما يفضي إلى استنزاف الاحتياطي الاستراتيجي، ويسهم في تسرب مياه البحر وتملح التربة بشكل يهدد خصوبتها على المدى البعيد، كما أن الإدارة غير الفعالة لأنظمة السقي، تسهم في إهدار كميات كبيرة من المياه، مما يزيد من تفاقم أزمة شح المياه.
وأضاف التقرير أن الممارسات الفلاحية غير المستدامة تسهم في تلوث الموارد المائية، ما يضر بجودتها ويؤثر سلبا على النظم البيئية المائية، ويفاقم انعدام الأمن المائي.
وفي علاقة دائرية، أبرز التقرير أن ندرة المياه الناجمة عن عوامل متعددة، تؤدي بدورها إلى تراجع المردودية الفلاحية، مما يهدد الأمن الغذائي للبلاد.
وأشار إلى أن الطاقة المطلوبة لضخ المياه بهدف السقي، لاسيما عند الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، لا تقتصر على زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة فحسب، بل تحد أيضًا من توفر الطاقة لاستخدامات أخرى.
وتوقف ذات التقرير على كون قطاع الطاقة أيضا يزيد من الضغط على الموارد امائية، فإنتاج الطاقة يرتبط بشكل وثيق بتوفر المياه؛ إذ المحطات الكهرومائية مثلاً لا تعمل إلا بوجود تدفق مستمر للمياه، مما يجعل قدرتها الإنتاجية هشة في مواجهة شح الموارد. أما المحطات الحرارية، فهي تحتاج كميات كبيرة من المياه لأغراض التبريد، مما يزيد من الضغط على الموارد المائية.
وعلاوة على ذلك، يعد تطوير الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى الطاقات النظيفة مثل الهيدروجين الأخضر أمرا ضروريا لتعزيز الأمن الطاقي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، غير أن هذا التوجه قد يفرض تحديات جديدة تتعلق بزيادة استهلاك الموارد المائية واستغلال المساحات البرية والبحرية، مما يفاقم ندرة المياه ويؤثر في توفيرها لأغراض حيوية كالسقي والماء الصالح للشرب.
ومن جهة أخرى، وارتباطا بالتفاعلات بين الطاقة والغذاء، أوضحت المؤسسة الدستورية أن إنتاج الغذاء يتطلب كميات كبيرة من الطاقة في جميع المراحل، بدءًا من عمليات السقي والتصنيع والتعبئة، وصولاً إلى النقل والتوزيع وإعداد الطعام. وبالتالي، فإن ارتفاع أسعار الطاقة قد يؤدي إلى زيادة تكلفة الغذاء، مما يحد من قدرة الفئات الأكثر هشاشة على الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية.
ونبه ذات المصدر إلى أن الممارسات غير المستدامة في قطاعات الماء والطاقة والغذاء، قد تؤدي إلى استهلاك مفرط للموارد المائية، وتدهور التربة وتلوث مصادر المياه، مما يسهم في الإضرار بالبيئة، واضطراب الدورة الهيدرولوجية، وإزالة الغابات، واستنزاف الموارد الطبيعية، وهو ما يقلل من قدرة النظم البيئية على تقديم الخدمات الأساسية، ويُسرع فقدان التنوع البيولوجي.
وتفضي هذه التأثيرات، حسب ذات التقرير، إلى تهديد الأمن المائي والغذائي للبلاد، فضلا عن تهديد استدامة مصادر الطاقات المتجددة مثل الكتلة الحيوية والطاقة الكهرومائية.