هذه الحكومة تستهدف كل شيء بما فيه الحكومة نفسها. لما نقول إن الحكومة تتآمر على نفسها لا يعني تآمر الأشخاص على أنفسهم ولكن تآمر الوزراء على مفهوم الحكومة بما هي مؤسسات، حتى وصلت سمعتها للحضيض. فالحكومة هي هذا المجموع المركزي من الأدوات الإدارية التي تستهلك ميزانية كبيرة وضخمة، وإن كان النقاش حول ضرورة التقشف في هذه الميزانية ليس وقته، إلا أنها تستنزف كل هذه المبالغ المالية حتى لا يتم استنزاف الرصيد الاجتماعي للدولة.
الحكومة “تأكل” الأموال الطائلة من أجل البحث عن الحلول، التي بواسطتها يتم إخماد الهبّات والحرائق، لكن الحكومة الحالية تُسرع الخطى كمن يمشي نحو حتفه أو “قاري حسيفة فصاحبو” كما يقال في اللغة المغربية البليغة. الطريقة التي تسير بها الحكومة الحالية تفيد واحدة من إثنين: إما حكومة جاهلة بقواعد السير العام، وإما حكومة متآمرة.
لنبدأ بم انتهت إليه حكومة “تجمع المصالح الكبرى”. حيث اتخذ وزير التربية والتعليم الأولي والرياضة قرارا يتعلق بتسقيف سن الولوج إلى مهنة التعليم. مع العلم أن الحكومة ترفض تسقيف أسعار المحروقات. القرار لم يعد أحد يدافع عنه سوى التجمع الوطني للأحرار. انتفض ضده حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة. ولن نتحدث عن النقابات. بمعنى أن القرار يتيم وسط الحكومة.
نريد أن نعرف من اتخذ هذا القرار إذا كانت مكونات الحكومة ضده؟ ألم يتم تداوله وسط المجلس الحكومي؟ لقد اتضح أن القرار صادر من مسلك ضيق يدور في فلك رئيس الحكومة. لكن حكومة “المصالح” لا تحسب أي حساب للتكلفة الاجتماعية للقرارات لما تكون غير مقنعة.
لقد تسبب هذا القرار المحسوب على الحكومة، والذي تتبرأ منه مكونات من الأغلبية، في خروج مئات الآلاف إلى الشوارع للتنديد به. الخروج إلى الشارع والاحتجاج حق دستوري لا ينفيه أحد. لكن هل الحكومة تدري بأنها أخرجت الناس في الوقت الخطأ؟ في هذه اللحظة يحتاج المغرب إلى توافقات كبيرة، لأنها لحظة انطلاق، ولا ندري كيف يفكر هؤلاء في تنزيل النموذج التنموي؟ هل يريدون تنزيله والشارع يغلي؟
الضمانة لأي إقلاع اجتماعي واقتصادي هو السلم الاجتماعي. وأي حكومة لا تفكر في ذلك تقود البلاد إلى الهاوية. ولهذا لدينا احتمال بأن تكون الحكومة متآمرة. تآمر ضد ما بناه المغاربة بصبر استراتيجي كبير، وتنازلات وتوافقات وتضحيات.
عزيز أخنوش الذي يريد أن يفرض أطروحته على المغاربة لا يملك سوى “المال”. و”المال” يمكن أن تعيد فيه الدولة النظر. لكن لا يملك القوة الشعبية التي كان يملكها مثلا عبد الرحمن اليوسفي الذي تولى الحكومة في ظرف صعب وكان بإمكانه استغلال الفرصة. لكنه قدم تضحيات سياسية وحزبية خدمة للوطن. ورغم أنه كان يملك امتدادا شعبيا هادرا لم يتغول وهو يتولى منصب وزير أول قبل أن يصبح هذا المنصب رئاسة للحكومة بصلاحيات إضافية.