كشف محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن تقرير سنة 2024 لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشرات إدراك الفساد، هو صفعة أخرى للحكومة التي تتبجح بكونها نفدت جزءا كبيرا من البرامج الواردة بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
واعتبر الغلوسي أن تقهقر المغرب من جديد في هذا المؤشر، يعكس حقيقة أن الفساد أصبح نسقيا وبنيويا، وشكل منظومة صعبة الإختراق لغياب إرادة سياسية حقيقية لمواجهته، وهو ماتجسد في عدم تنزيل مقتضيات الفصل 36 من الدستور الذي يشكل في جوهره قاعدة صلبة لتخليق الحياة العامة ومواجهة كل أشكال الإنحراف في ممارسة السلطة والوظيفة العمومية واستغلال مواقع الإمتياز والاحتكار وتهديد التنافس الحر والحق في المعلومة والمساواة أمام القانون.
وأضاف رئيس جمعية حماية المال العام أن هذا التصنيف كان متوقعا بالنظر إلى السلوك السياسي للحكومة المبني على حماية مواقع الريع والفساد وتحصينها، والدفاع عن المصالح الفئوية للمستفيدين من هذا الواقع، وهو مايمكن استجلاؤه من عدم تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح ط، بل إن رئيس الحكومة ومن داخل قبة البرلمان صاح بأعلى صوته مدافعا عن أحقية شركته في الفوز بصفقة تحلية مياه البحر بملايير الدراهم.
وأشار المتحدث إلى أن هذه الإشارة من رئيس الحكومة، تعكس انحرافا دستوريا وأخلاقيا وسياسيا في ممارسة السلطة، كما أن رئيس الحكومة رفض في أكثر من مناسبة عقد اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد ولو شكليا، وانتهت المدة المحددة للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد دون أن يكون لهذه الأخيرة أي أثر على الواقع، لكون لوبي الفساد والريع قد عمد إلى وأد هذه الإستراتيجية في مهدها حتى يبقى مستفيدا من ريع السلطة والنفوذ.
وأضاف الغلوسي أن هذا اللوبي أضعف مجلس المنافسة الذي تحول إلى هيئة تتودد شركات المحروقات وتتوسل إليها لإحترام القانون، وهاجم الهيئة الوطنية للنزاهة، وجعل مؤسسات الحكامة مجرد واجهة صورية لتأثيث المشهد، لا تأثير لها على واقع شيوع الفساد والرشوة والريع ونهب المال العام.
كما عمد نفس لوبي زواج السلطة بالمال، يضيف المتحدث، إلى طرح تعديل على المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية التي ستحول المجتمع المدني إلى مجرد “كومبارس”، ومنع النيابة العامة من تحريك الأبحاث والمتابعات القضائية ضد لصوص المال العام، ليظهر هذا اللوبي المتغول مظهر الواضع يده على كافة المؤسسات.
وحذر المتحدث من أن هذا التوجه يقدم المغرب كأنه “يشبه كوريا الشمالية”، ضاربا بعرض الحائط كل التراكمات الإيجابية والمهمة التي حققتها البلاد على المستوى الحقوقي والدستوري والقانوني.
ونبه إلى أن هذا التوجه يشكل خطرا حقيقيا على الدولة والمجتمع، ويهدد كل المكتسبات الحقوقية والمؤسساتية، ويسعى إلى اللعب بالنار عبر تهديد كل مقومات الإستقرار والأمن والسلم الاجتماعيين. وقد كشفت بعض الأبحاث الأمنية والقضائية في بعض الملفات أن شبكات ضمنها عناصر وأشخاص يتقلدون مسؤوليات في مؤسسات تمثيلية متورطة في جرائم خطيرة تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات وظهر “اسكوبارات” في بعض المناطق.
ودعا الغلوسي الدولة إلى عدم السماح لهذا التوجه بأن ينفذ أجنداته وبرامجه وخططه الهادفة إلى تعميق الفساد في الحياة العامة، وسلب الأمل للناس في المستقبل، وتعميق سوء الثقة في المؤسسات، وتأجيج مشاعر الغضب والإحتقان، فمجامع اليوم يتطلع إلى مكافحة شاملة للفساد والرشوة ونهب المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، عبر استراتيجية وطنية متكاملة ومتعددة الأبعاد تقي النغرب من كل المخاطر والأزمات الخارجية والداخلية، وتخرجه من دائرة التقارير السوداء المتعلقة بمؤشرات الشفافية والتنمية.
و أكدت “ترانسبرانسي المغرب”، أن المغرب مستمر في الغرق في الرشوة النسقية، حيث تظل الظاهرة متوطنة، ولم يتم اتخاذ إجراءات جدية للحد منها، في ظل غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد وخلال ندوة لتقديم نتائج مدركات الفساد لسنة 2024، قالت ترانسبرانسي إن التراجعات في حقوق الإنسان والديمقراطية يسهمان سلبا في تقهقر مؤشر إدراك الرشوة في المغرب، فضلا عن واقع الصحافة والمجتمع المدني.
وأكدت “ترانسبرانسي” أن ظاهرة الرشوة تظل متوطنة في المغرب ولم تتخد إجراءات جدية للحد منها، ففي سنة 2012 احتل المغرب الرتبة 88، وظل بعدها متقلبا صعودا وهبوطا، وسجل أفضل ترتيب له سنة 2018 بالمرتبة 73 والنقطة 43 ومنذ ذلك الحين، استمر المغرب في التراجع ترتيبا ودرجة ليستقر في المركز 99 في التصنيف العالمي لسنة 2024 بـ37 نقطة، فاقدا 5 درجات و 26 مرتبة مقارنة بسنة 2018.
وأوضحت “ترانسبرانسي” أن متوسط درجات الدول “الديمقراطية الكاملة” يبلغ 73 نقطة، في حين متوسط درجات الدول “الإستبدادية” يبلغ 29 نقطة، ويقع المغرب على بعد 8 نقط فقط من متوسط هذه الفئة الأخيرة، ضمن الدول الهجينة.
ونبه ذات المصدر لنتائج المغرب المحصل عليها فيما يتعلق بالمؤشرات العالمية التي تقيس وضعية الفساد والحكامة منذ ما يناهز ربع قرن. حيث تظهر هذه النتائج مرارا وتكرارا أن المغرب يعاني من رشوة نسقية تتطلب إصلاحات هيكلية جدية لمعالجتها، لكن هذا ليس هو الاتجاه الذي يتم السير فيه، في غياب الإرادة السياسية.
وأوضحت “ترانسبرانسي” أن مؤشر إدراك الرشوة يركز على القطاع العام ولا يغطي الرشوة المنقولة عن طريق التحويلات الدولية غير المشروعة (غسيل الأموال أو الأموال المختلسة)، كما أنه لا يغطي “المراكز الديناميكية” فيما يخص إدارة الثروات في الخارج، وتعتبر هذه المراكز في الواقع مناطق ذات مخاطر عالية من حيث غسيل الأموال.
و أكدت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبرانسي” أن الفساد في المغرب عام ومُعمم، ولا توجد إرادة سياسية لمحاربته، في ظل تعطيل القوانين والسعي لتقييد منظمات المجتمع المدني والحد من نشاطها الفاضح للفساد والمفسدين، وتهجم الوزراء والمسؤولين على المؤسسات الدستورية، وهو ما يجعل المغرب يعيش في مستنقع من الفساد.
وتوقفت “ترانسبرانسي المغرب” في ندوة بالرباط لتقديم تقرير مؤشر مدركات الفساد لسنة 2024، على التقهقر المستمر للمغرب على هذا المستوى، حيث تراجع إلى الرتبة 99 عالميا من أصل 180 دولة، بمعدل 37/100، معتبرة أن 20 فبراير شكلت فرصة كبيرة للمغرب من أجل الإصلاح، لكن الأمر لم يتعد الورق إلى أرض الواقع، ودعت السلطات العمومية للقيام بواجبها وتعمل على محاربة الآفة