الدكتور أحمد درداري*
ما هي دلالات قرار محكمة العدل الأوروبية القاضي بابطال اتفاقين تجاريين مبرمتين بين الرباط والاتحاد الأوروبي؟
اولا : بالنظر الى طبيعة القرار يبدو ان انه يحمل دلالة سياسية تنم عن وجود خلافات سياسية بين الدول الاوربية بشكل متفرد وحول المحاصصة بينها داخل الاتحاد، مما يتبين معه ان القرار لا يتصف بالحيادية القضائية المطلوبة ولا يعبر عن دول الاتحاد مجتمعة، والمحكمة لا يمكنها ان تبث في موضوع تتوفر فيه على وكالة سياسية للنظر في اتفاقيات تهم الدول المكونة للمحكمة، وتعتبر المحكمة نفسها طرفا في موضوع يتعلق بمصلحة قضاة الدول التابعة لها في مواجهة طرف خارج عن المجموعة الاتحادية المؤسسة لهذه المحكمة وليس عضوا في الاتحاد الأوروبي، وتبدو المحكمة الأوربية جهاز يدافع عن كل القضايا التي لها علاقة بمصالح دول الاتحاد الأوروبي بدرجة أساسية مما يجعلها مهمة صعبة وتعرض قراراتها للتجريح من طرف دول الاتحاد.
ثانيا: كما ان لهذا القرار السياسي ترابط مع قرار الولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل معارضة وطعنا فيه، لكونها كانت السباقة للاعتراف بمغربية الصحراء، وعليه فان الاستثمار خرج من دائرة التلاعب بالوحدة الترابية للمغرب والتوجه نحو الشركاء الجدد بمن فيهم أمريكا و دول اوربية فهمت التوجه الجديد وفضلت الحفاظ على مصالحها مع المغرب سيرا على نهج الولايات المتحدة مثل اسبانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا ودول أخرى. لهذا تعرض قرار المحكمة للنقض السياسي من قبل دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي نفسه، والمحكمة الأوروبية لا يمكنها منع أية دولة أوربية من إبرام اتفاقية شراكة مع المغرب.
ثالثا: ان هذا القرار يتماشى مع مصداقية خطاب جلالة الملك حينما قال “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
وأضاف بالقول إننا “ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.
بالإضافة إلى الإشارة إلى ما تحقق من إنجازات كبيرة، على الصعيدين الإقليمي والدولي،لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة، بخصوص مغربية الصحراء”.
وذكر بما عبرت عنه العديد من الدول الوازنة عن دعمها ، وتقديرها الإيجابي لمبادرة الحكم الذاتي، في احترام لسيادة المغرب الكاملة على أراضيه، كإطار وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
واعتبر جلالة الملك أن الموقف الثابت للولايات المتحدة الأمريكية “شكل حافزا حقيقيا، لا يتغير بتغير الإدارات، ولا يتأثر بالظرفيات”.
رابعا: تجدر الإشارة إلى أن حدود اختصاص المحكمة الأوربية لا يصل إلى اتخاذ قرار باسم سيادة الدول الأعضاء في القضايا التي تهم نفس الدول الأعضاء دون الأخذ بالاستشارة، وتبقى غير معنية بالوحدة الترابية للمغرب او غيرها لان مجال التعاون للاتحاد الأوروبي هو المجال الاقتصادي بالأساس، ولكون هذا الأخير غير قادر على التمثيل الديبلوماسي للدول فهو غير مرغوب فيه كشريك للمغرب لصعوبة اتخاذه قرار سياسي. وان قرار المحكمة لا يمنع الدول التي لها سيادة بأن تقرر في سياستها الخارجية و علاقاتها الاقتصادية خارج الاتحاد الأوروبي لاسيما إذا تعارضت مصلحتها مع لوبيات قضاء الاتحاد، لكونها تبقى صاحبة الحق و الأصل لكونها هي من قامت ببناء الاتحاد.
خامسا: ان البيان الصادر عن وزارة الخارجية المغربية، وأوردته الوكالة الرسمية حيث جاء فيه أن “المغرب ليس طرفا في هذه القضية، التي تهم الاتحاد الأوروبي من جهة والبوليساريو من جهة أخرى”، ويبقى عين الصواب لكون المغرب لا يراهن على أي قرار يهم وحدته الترابية خارج اختصاص هيئة الأمم المتحدة.
وان مضمون القرار لا يمثل أكثر من تشويش دون الغوص في العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع محل شبهات”.
لذا فان تضارب مصالح الدول الأوربية مع قرار المحكمة دفع عدد من الدول إلى الإعلان عن احترام التزاماتها الدولية والحفاظ على مكتسبات الشراكة مع المغرب”.
وتم التأكيد على موقف المغرب الثابت إزاء عدم الالتزام بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدته الترابية والوطنية”.
ولا يخفى على المجتمع الدولي أن قرارات مجلس الأمن وما ذهبت إليه عدد من الدول من تأييد للحكم الذاتي، يفسر أن قرار المحكمة الأوربية لا يحدث أي أثر على القضية الوطنية، وانه فتح الباب أمام الدول الأوربية لإبرام اتفاقيات شراكة تتعلق بالمنتجات الزراعية، والصيد البحري.
سادسا: في الجهة المقابلة فإن الجزائر تلعب بمواقف بعض الدول لتقنعها بشراكات بديلة عن المغرب، واخذ مكانه أوربيا وإفريقيا، باسم أوهام الشعب الصحراوي وكأن سكان الأقاليم الجنوبية هم سكان الجبال وليسوا في الصحراء، بل كأن وجود هؤلاء السكان غير ذي جدوى ولا تهمهم ثروات الأقاليم، وأن المنتخبين لا يمثلون هؤلاء المواطنين. ذلك ان النزاع المفتعل بين الجزائر والمغرب هو نزاع بيد فرنسا الجزائرية لكونها هي التي استعمرت وهي التي رسمت الحدود وهي التي يمكنها المطالبة بالطلاق للشقاق بينها وبين نظام العسكر الجزائري، الذي يبالغ في الهجوم على المغرب ويبالغ في المطالب وادعاء المظلومية رغم انه احيانا يدعي انه محايد، والسبب هو ان فرنسا منحت له الارض دون سند الملكية ويخفي مغربية الصحراء الشرقية، و يروج فكرة سيطرة المغرب على الصحراء الغربية لتجنب المطالبة بالصحراء الشرقية المغربية، ويبذل قصارى جهده لكي يظل يهاجم المغرب خوفا من ان تنقلب عليه الطاولة ويتحول الى مدافع.
سابعا: ان قرار اعتراف الولايات المتحدة في فترة إدارة دونالد ترامب، بسيادة المغرب على صحرائه أبان عن التوافق الدولي الجديد والتوجه الذي سارت على نحوه الدول التي فتحت قنصليات لها بكل من العيون و الداخلة، وان التوجه المغربي نحو الواجهة الاطلسية خلق تكتلا. وتغييرا استراتيجيا اقتصاديا وسياسيا مهما سوف يقنن العلاقات بناء على معادلة رابح – رابح.
*رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات