يُرتقب أن يحتضن مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، مساء السبت، مباراة ديربي العاصمة الاقتصادية بين الوداد والرجاء، لحساب الجولة السادسة والعشرين من البطولة الوطنية الاحترافية.
غير أن الحدث، الذي اعتاد أن يكون عرسًا كرويًا استثنائيًا، سيجري هذه المرة في أجواء باهتة، ومدرجات شبه خالية، بعدما قررت فصائل الألتراس مقاطعة المباراة بشكل غير مسبوق.
احتجاج صاخب بصمت المدرجات
قرار المقاطعة لم يكن وليد اللحظة. هو نتيجة تراكمات ومواقف عبّرت عنها الجماهير، رجاوية وودادية، على مدى أشهر، احتجاجًا على ما وصفته بالقرارات “الارتجالية” و”التضييقات الممنهجة”، بدءًا من منع التنقلات الجماعية نحو عدد من المدن، وصولًا إلى الاعتقالات التي طالت نشطاء من بين صفوفها.
مواقع التواصل الاجتماعي، التي صارت المتنفس الوحيد لفصائل الألتراس، ضجت خلال الأيام الأخيرة بشعارات تتحدث عن “تهميش متعمد”، و”انعدام العدالة” في التعاطي مع جماهير الدار البيضاء مقارنة بباقي المدن.
الدار البيضاء.. الحاضر الغائب في المونديال
بين دوافع المقاطعة، لم تغب الغصة المرتبطة بالإعلان عن استبعاد مدينة الدار البيضاء من احتضان مباريات كأس العالم 2030. القرار اعتبرته الجماهير بمثابة “إهانة لتاريخ المدينة الكروي”، خصوصًا في ظل تعويضها بمشروع ملعب في منطقة بنسليمان، البعيدة نسبيًا عن القلب النابض للكرة المغربية.
ولم يفت الغاضبين التذكير بأن الرباط استفادت من تشييد ملعبين جديدين، بينما لا يزال محمد الخامس يخضع لعمليات ترميم متكررة، دون حلول جذرية أو رؤية مستقبلية واضحة لناديي العاصمة الاقتصادية.
المقاطعة تنجح.. وتذاكر بلا زبائن
رغم الزخم الإعلامي المرافق للديربي، فإن أرقام التذاكر المباعة توحي بأن الرسالة الجماهيرية وصلت. مواقع البيع الإلكتروني تُظهر بقاء تذاكر “الكورفا نور” و”الكورفا سود” متاحة بعد يومين من فتح الشراء، في حين كانت تُباع في ظرف ساعات خلال الديربيات السابقة.
الاتفاق بين إدارتي الوداد والرجاء على تقاسم مداخيل المباراة، لم يغيّر من موقف الجماهير، التي ما تزال مصدومة من موسم وصفته بـ”الصفري” بعد الخروج من كأس العرش، وتراجع الأمل في التتويج بلقب البطولة.
ديربي بلا صوت.. هل يفقد طعمه؟
ديربي البيضاء لم يكن مجرد مباراة. لطالما كان عرضًا جماهيريًا استثنائيًا يُضرب به المثل عالميًا. التيفوهات، الهتافات، الحضور الأسطوري… كلها عناصر جعلت منه حدثًا سنويًا في ذاكرة الكرة المغربية والعربية.
لكن نسخة هذا السبت ستكون مختلفة. صمت المدرجات قد يُفقد اللقاء إيقاعه وروحه. اللاعبون سيلعبون دون ضغط جماهيري، صحيح، لكنهم سيفتقدون كذلك لذلك الحماس الذي لا يمنحه سوى صوت الجمهور.
رسالة بصوت غائب
غياب الجماهير عن الديربي ليس مجرد صدفة أو حادث عرضي. إنه احتجاج مدروس، موجه إلى كل من يعنيه الأمر: من المسؤولين عن البنية التحتية، إلى الجهات الأمنية، مرورًا بالجامعة والسلطات المحلية. هو صرخة مكتومة، تختزل إحباطًا واسعًا من طريقة تدبير كرة القدم في أكبر مدينة مغربية.
ربما تنتهي المباراة بفوز هذا الفريق أو ذاك. لكن الخاسر الأكبر هو كرة القدم، حين تُفرغ ملاعبها من جمهورها، وتُكتم أصوات شغفها الحقيقي.