شكلت سيارات الأجرة الصفراء لعقود طويلة أحد رموز نيويورك بعدما كانت منتشرة في كل مكان على مدار الساعة، لكن بعد عام على بدء الجائحة، باتت هذه المركبات نادرة ومستقبلها يبدو غامضا.
فهذه السيارات الي كانت تشاهد في كل مكان ليل نهار في شوارع مدينة الأعمال الأميركية كانت توازي برمزيتها أهمية مبنى إمباير ستايت أو قبعات البيسبول.
يقول جوي أوليفو الذي يعمل منذ 30 عام ا سائق أجرة، قبل الوباء، “كانت تصطف مئات سيارات الأجرة الصفراء في موقف السيارات هذا. كنا نصطف في خط طويل وننتظر نحو 20 دقيقة. أما اليوم، فنحن نحو 50 سيارة، وننتظر ساعتين”.
بسبب العمل عن بعد في الأحياء التجارية وإغلاق المدارس وتوقف حركة السياحة، تراجع العمل كثيرا بالنسبة له كما هي الحال بالنسبة لجميع سائقي نيويورك.
يقول أوليفو “الوضع صعب. انخفض دخلي بنسبة 80%. كنت أكسب ربما ألف دولار في الأسبوع، أما اليوم فلا يتجاوز ما أجنيه 200-300 دولار”.
ويضيف الرجل البالغ من العمر 60 عام ا من بروكلين الذي احتفظ بمزاجه المرح رغم كل شيء وراء الكمامة، إنه لولا زوجته الممرضة التي تواصل “كسب عيشها على نحو جيد … كنت سألف حبل مشنقة حول رقبتي”.
– سقوط حر –
لكن معظم سائقي سيارات الأجرة في نيويورك، وهم بغالبيتهم من المهاجرين من الجيل الأول، لا يحالفهم الحظ مثله ولا يحتفظون بروح الدعابة في مواجهة تبخر سبل عيشهم.
لقد أثرت منافسة أوبر وليفت وغيرهما من تطبيقات طلب سيارات الأجرة بشكل كبير على دخلهم الذي كان يمكن أن يتجاوز قبل ذلك 7000 دولار شهري ا إذا عملوا لساعات طويلة سبعة أيام في الأسبوع.
لكن مع الوباء يقول ريتشارد تشاو البالغ من العمر 62 عام ا وهو من بورما إن دخله يتراجع باستمرار.
لكن تشاو ليس الأكثر يأس ا لأنه اشترى رخصته – المسماة “ميدالية” في نيويورك – في عام 2006 مقابل 410 آلاف دولار.
في السنوات التي تلت ذلك، ارتفعت أسعار الرخص بعد أن تهافت على شرائها جمع من المصرفيين والمستثمرين والمحامين. في عام 2009، دفع شقيقه الأصغر كيني تشاو مبلغ 750 ألف دولار مقابل رخصته. وفي 2014، وصل سعرها إلى مليون دولار.
وأدى نجاح أوبر وغيرها إلى انفجار تلك “الفقاعة” وتحول آلاف السائقين الذين اشتروا رخصهم عن طريق قرض بسعر مرتفع إلى الإفلاس أو باتوا مديونين مدى الحياة.
انتحر كيني تشاو في عام 2018 مثل سبعة سائقين آخرين على الأقل في ذلك العام، وكان انتحارهم تأكيدا على الوضع المأسوي لغالبية هؤلاء السائقين.
في هذا السياق، ظهر الوباء و”آثاره المدمرة”، كما تقول بايرافي ديساي مديرة تحالف عمال سيارات الأجرة، وهو اتحاد لسائقي نيويورك.
وتضيف “قبل الوباء، انخفضت الطلبات بنسبة 50%. ومنذ الوباء، اقتربنا من 90%”، وعلى غرار المطارات، فإن “أكثر مناطق المدينة المقفرة هي أحياء مانهاتن التي يعتمد عليها السائقون في دخلهم”.
– رمز ثقافي –
ومن هنا ندرة سيارات الأجرة الصفراء، فرغم وجود نحو 13 ألف سيارة مرخصة في المدينة، فإن 5000 منها فقط تعمل بانتظام في الوقت الحالي، وفق ا للنقابة.
لم يعد حوالي 7000 سائق يخرجون سياراتهم من المرآب، إذ لم يعد ذلك مربح ا، كما يوضح ويليام بيار، وهو سائق متحدر من هايتي.
يواصل بيار قيادة سيارته، على الرغم من أن أرباحه اليومية بالكاد تتجاوز 100 إلى 150 دولار ا يتقاسمها مناصفة مع الشركة التي تؤجر السيارة له.
ويقول “لا أريد البقاء في المنزل