التهنئة التي توصل بها جلالة الملك محمد السادس من رئيس ألمانيا لها دلالات عميقة، فهي من المسؤول الأول في ألمانيا، الذي لا يمثل الجهاز التنفيذي ولكن يمثل سيادة دولة عريقة في أوروبا، باعتبار الرئيس هو رمز سيادة هذا البلد، وهي تقول إن أمورا كثيرة تتجاوز الأجهزة التنفيذية ولكن تخضع لمنطق آخر، وأبانت أن الديبلوماسية في المغرب تضرب بقوة وفي الوقت المناسب لأنها تخضع لمنطق أكبر من منطق الحكومة أو قفشات وزير.
الرسالة كانت واضحة، فهي متبادلة بين رمزي سيادة بلدين كبيرين، هما المغرب وألمانيا، وتربط بينهما علاقات تاريخية وكذلك علاقات ذات طابع استراتيجي، لا يمكن لأي عثرات أن تعترض طريقها، حتى لو كان لزاما التوقف في لحظة معينة لتقييم الوضع والنتائج، ولكن يعود القطار ليشق سكته من جديد غير عابئ بحديث العابرين لأن الأمر هنا أمر استراتيجي وتاريخي يهم الحاضر والمستقبل.
تعتمد الديبلوماسية الملكية على الصبر الاستراتيجي، المبني على وضع الخطوط الحمراء، فيما يتعلق بسيادة البلاد والبحث عن كل الآفاق الممكنة، لكن لا مساومة في القضايا الجوهرية، وهذا ما أكد عليه جلالة الملك أثناء خطابه السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، حيث قال إنه لم يعد ممكنا لأي بلد أن يربط علاقات مع المغرب ذات وجهين، بمعنى لا يمكن توقيع أي اتفاقية تجارية واقتصادية لا تتضمن الأقاليم الجنوبية.
وقال جلالته بمناسبة الذكرى السادسة والأربعون للمسيرة الخضراء إن المغرب يقدّر الدول والتجمعات، التي تربطها بالمغرب اتفاقيات وشراكات، والتي تعتبر أقاليمنا الجنوبية، جزءاً لا يتجزأ من التراب الوطني. كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، إن المغرب لن يقيم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية”.
هو الوضوح التام والشفاف في قضية لا تقبل بتاتا أي نقاش من قبل المغاربة ملكا وشعبا، وفي هذا السياق يتم التعامل مع كافة البلدان، وقد وقع بين المغرب وألمانيا شنآن، لكن الديبلوماسية بذكائها وصبرها الاستراتيجي، المبني على المكتسبات التاريخية للمغرب، والمبني على ما حققته بلادنا من التفاف استراتيجي في قضية وحدتنا الترابية، وقد عادت ألمانيا بشكل سلس وبعيدا عن المناوشات التي تقتل مستقبل العلاقات الدولية.
لكن هذه المرة حقق المغرب ربحا كبيرا، فبعد أن توقفت العلاقات عادت اليوم ومعها اعتراف ألماني بمدى تقدم الإصلاحات، التي يقوم بها جلالة الملك، بما يعني أن المغرب منصة قوية للاستثمار باعتباره بلدا مستقرا، وأكثر من ذلك أن ألمانيا، القوة العظمى العائدة إلى المشهد الجيوبوليتيكي، تعترف بأن مبادرة الحكم الذاتي هي أحسن اقتراح بل إنها أساس جاد لتسوية النزاع المفتعل في الصحراء، وهو كسب آخر يضاف إلى ما حققه المغرب في الآونة الأخيرة من اعترافات متتالية بصوابية وجدية مقترح الحكم الذاتي بعيدا عن الحلول الوهمية والحالمة.