يستيقظ جاك أندريه إيستل فجر كل يوم ويتناول فطوره في سريره في قرية فيليسيتي التي بناها بدافع من أحلامه وسط صحراء سونورا في ولاية كاليفورنيا الأميركية، ويصفها بأنها “مركز العالم”.
فعلى مساحة ألف هكتار، أقام الرجل الفرنسي الأميركي عالمه المذهل هذا الذي يؤكد أنه يجمع في مكان واحد كل تاريخ البشرية.
ويؤكد جاك أندريه إيستل (94 عاما ) أن لا مثيل لهذا المتحف المقام في الهواء الطلق “في أي مكان آخر على هذا الكوكب”.
في هذا المكان، تتجاور الضخامة مع الغرابة.
ومن ذلك، ساعة شمسية كبيرة، إبرتها منحوتة لذراع الله اليمنى كما رسمها مايكل أنجلو في كنيسة سيستين، وعلى مقربة منها درج قديم كان مثبتا سابقا في برج إيفل، يصعد إلى الفراغ.
في قلب فيليسيتي، يمتد 723 لوحا من الغرانيت الوردي في مجموعة غريبة من الأشكال الهندسية. يبدو المكان من الجو أشبه بتلك الأنماط المنحوتة في الحقول للإيحاء بوجود كائنات فضائية.
توفر اللوحات الموضوعية المنقوشة بعناية رحلة انتقائية عبر تقلبات البشرية.
وتتجاور طقوس الفايكينغ القربانية مثلا مع الإسكندر الكبير، وغزو الفضاء مع أقسام أخرى مخصصة للهامبرغر أو الباندا أو العادات الغذائية الأميركية.
المكان محاط بمصلى في البعيد، وهرم، فيما تؤكد لافتة معدنية للسياح أنهم في “مركز العالم” بالضبط.
وسبق للرسام السريالي سلفادور دالي أن أطلق هذه التسمية على محطة بربينيان للقطارات في فرنسا في ستينات القرن العشرين.
لكن جاك أندريه إيستل يعل ق مبتسما بأن “مركز العالم يمكن أن يكون في أي مكان”.
وبلغ به الأمر حد الكتابة إلى المعهد الوطني الفرنسي للجغرافيا عام 1989 للاعتراف بهذه الصفة. ويحتفظ برسالة مهذبة من الإدارة الفرنسية، تقر بوجود المكان وباسمه، لكنها تحرص على عدم التعليق على الصلاحية العلمية للمفهوم.
وفاز إيستل بمنصب رئيس بلدية فيليسيتي مدى الحياة من دون أي معارضة، إذ حصل على نسبة مئة في المئة من الأصوات، وهي ثلاثة: صوت زوجته فيليسيا، وهي أميركية صينية استوحى اسم القرية من اسمها، وصوته هو، وصوت التنين الخيالي ، وهو شخصية في قصة للأطفال كتبها بنفسه لكي يوفر لقريته قصة أسطورية.
يعود الفضل إلى هذا الكتاب تحديدا في حصوله على اعتراف السلطات المحلية منذ عام 1985. وبعد ذلك بعامين، شارك دبلوماسي من القنصلية الصينية في سان فرانسيسكو في افتتاح مكتب البريد في فيليسيتي.
أمضى إيستل المولود عام 1929 السنوات الأولى من حياته في باريس وسط عائلة ميسورة، لكنه ترك فرنسا مع عائلته خلال الحرب العالمية الثانية.
وتولى والده المصرفي النافذ أندريه إيستل الذي كان مستشارا ماليا للجنرال شارل ديغول وساعد في إنشاء البنك الدولي في مرحلة ما بعد الحرب، تنظيم هروب عائلته إلى الولايات المتحدة.
من بين الأطفال الأربعة ، كان جاك أندريه دائما “المشاغب”، وكان لشخصيته هذه أثر على مستقبله.
فبعد تخرجه من جامعة برينستون، عمل في بداية حياته المهنية في المجال المالي في وول ستريت، نزولا عند رغبة والده، لكن هذا العالم لم يرق له، فتطوع في البحرية الأميركية وحصل على رخصة قيادة طائرة وأصبح من هواة القفز بالمظلات.
ودفعه شغفه هذا إلى المشاركة في تأسيس المنتخب الوطني الأميركي للسقوط الحر، ومك نه من تحقيق ثروة، إذ لاحظ أن المعدات في هذا المجال كانت بدائية يومها