في سابقة نوعية ضمن المبادرات الدولية الرامية إلى تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، دعا محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى مقاربة شاملة وعميقة لمكافحة الفساد في القطاع السياحي، معتبراً أن هذا الورش ليس ترفاً مؤسسياً، بل ضرورة تنموية واستراتيجية للدول النامية والاقتصادات الصاعدة.
جاء ذلك خلال افتتاح أشغال المؤتمر الدولي حول “تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في قطاع السياحة”، الذي احتضنته العاصمة المالديفية يومي 6 و7 مايو (أيار) الجاري، بمشاركة أكثر من 190 مسؤولاً وخبيراً يمثلون 50 دولة وهيئة دولية.
واعتبر بنعليلو أن القطاع السياحي، رغم كونه رافعة اقتصادية حيوية ومحركاً مباشراً لخطط التنمية، يظل من بين أكثر القطاعات عرضة لمخاطر الفساد، سواء من حيث التقدير العمومي أو الممارسة الواقعية، مشيراً إلى ما وصفه بـ”الهشاشة المركبة” التي تحيط به.
وأوضح رئيس هيئة النزاهة أن تعقيدات هذا القطاع لا تقتصر على تداخله البنيوي، بل تشمل تعدد المتدخلين وطنياً ودولياً، وارتباطه بمجالات حساسة كالعقار والتعمير والخدمات والبيئة والنقل، وهي كلها ميادين تتقاطع مع مؤشرات الفساد الهيكلية.
وحذر من أن التعامل مع القطاع بمنطق إداري صرف يُغفل بُعداً مركزياً يتمثل في القرار الاستثماري، الذي يظل، في كثير من الحالات، خاضعاً لتقديرات غير محصّنة قد تفسح المجال أمام ممارسات غير شفافة، مما يُضعف ثقة المستثمرين والسياح على حد سواء، ويقوّض جهود التنمية المستدامة.
وفي مداخلة تحليلية، شدد بنعليلو على ضرورة تجاوز المقاربة التقليدية لمظاهر الفساد نحو تحليل دقيق للبنى الحاضنة له، داعياً إلى اعتماد رؤية تدمج خصوصية القطاع السياحي في دول منظمة التعاون الإسلامي ضمن المعايير الدولية للنزاهة، بما يعزز فعالية التدخلات ويوسع قاعدة الثقة في منظومة الشفافية.
وفي ختام كلمته، أكد المسؤول المغربي أن إدماج السياحة ضمن الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد بات أمراً ملحاً، داعياً إلى إشاعة الوعي بأثر الفساد على القدرة التنافسية للعرض السياحي الوطني، وضرورة تعزيز ثقة السائح والمستثمر من خلال حماية الموارد والممتلكات العامة من الاستغلال غير المشروع.
وعلى هامش المؤتمر، عقد الوفد المغربي سلسلة من اللقاءات الثنائية والثلاثية مع عدد من الهيئات الإقليمية والدولية، أبرزها مع رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بالمملكة العربية السعودية، حيث تم تقييم خطة العمل المشتركة بين الطرفين، كما جرى بحث سبل التعاون مع اللجنة الوطنية المالديفية لمكافحة الفساد وهيئة السياحة العراقية.
وشهدت أشغال المؤتمر أيضاً جلسات عمل مع مسؤولين من المجلس الاستشاري للاتحاد الإفريقي ضد الفساد، ما يعكس انفتاح المغرب على تجارب متعددة في بناء منظومة دولية متماسكة لتعزيز ثقافة النزاهة.
وقد اختتم المؤتمر أعماله بإصدار حزمة من التوصيات أبرزها الدعوة إلى تنظيم النسخة المقبلة من المنتدى بالمملكة المغربية، في ما يشبه اعترافاً دولياً بالدور الريادي الذي باتت تلعبه الرباط في مجال الحكامة السياحية ومكافحة الفساد في القطاعات الحيوية.