إدريس عدار
نسينا بسرعة الحديث عن صفقة الماء “المحلى” لأن هناك ما هو أحلى من ذلك..وهل تحلو وسائل التواصل الاجتماعي دون ذكر “العبقريات”، التي جاد بها الزمان..عبقريات لم تكن في حاجة إلى علم ومعرفة، لكن كانت في الحاجة إلى دينامو بقدرته توظيف عاهاتها الخلقية والنفسية والاجتماعية حتى تتحول إلى مصانع تذر ذهبا لكن تنتجا قيما يراد لها أن تسود.
قبل أسابيع كان الموضوع هو الصفقة التي فازت بها إحدى شركات رئيس الحكومة. صفقة تتعلق بتحلية مياه البحر. ومن باب المغامرة والمخاطرة التي ركبها تضمنت الاتفاقية بيعا مسبقا للمنتوج لمدة ثلاثين سنة. قضية ما كان ينبغي أن تنتهي حتى يذوق كل واحد ملوحتها، لكن تم رمي حصى في الطريق فتعثر الجميع.
لم يعد النسيان عملية طبيعية، ولكن أضحى ممارسة تصرف عليها الملايير. يكفي توجيه الرأي العام نحو القضية الأقل أهمية أو غير المهمة حتى ينسى الأهم.
ترتيب الأولويات دور المثقفين. يبدو أن هذا الدور أصبح مفقودا اليوم. أغلب المثقفين منخرطون هم أيضا في عملية الإلهاء بلاهة أو طمعا.
ما كان للمثقف أن يتنازل عن مكانته ليحظى بمباركة الناس. يقال إن الشعب بطليعته. الطليعة هي التنظيمات السياسية والمدنية والمجموعات الثقافية والمثقفين وكل من له القدرة على إنتاج المعرفة. هذه الطليعة ما عادت تختلف عن المجموع إلا في قدرتها على التسلق الاجتماعي السريع.
أي علاقة لنا بصفقة تُهدر فيها الملايير فهناك ما هو أهم؟ أليست المدونة التي يناقشها العارف وغير العارف بنفس المستوى هي قضيتنا اليوم؟
لا يعني هذا بتاتا أن المدونة ليست مهمة وهي تتعلق بمعركة ثقافية يخوضها البعض بوعي والبعض من غير وعي. لكن غير المهم فيها بل التافه الذي يراد له أن يكون هو الحقيقة هو الطريقة التي تتم من خلالها النقاشات، التي تحولت إلى مجرد وسيلة للإلهاء.
أي علاقة لنا بصفقة تُهدر فيها الملايير فهناك ما هو أهم؟ أليست قصة شاب كان ينبغي أن تكون شخصية فأصبحت عالمية وينبغي للجميع أن يهتم بها؟ من قال إن “التوبة” مسألة شخصية؟ لماذا لا تتحول هي بدورها إلى مصدر دخل ورزق؟ أليس الجميع يستغل “الدين” و”الدّين” للاغتناء؟
لماذا يتم إبراز مواد على أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل للأمر علاقة بالموضوع أم أن القضية تتعلق بلوغاريتمات هي التي تتحكم في مسالك الصعود والهبوط في المشاهدات؟
لا توجد صدفة في مجال مبني على العلم قصد ممارسة “التضليل”.
يرى هربرت شيلر في كتابه “المتلاعبون بالعقول” أن من يملك وسائل الإعلام يسيطر على العقول. فكيف بمن يملك “وسائل التواصل الاجتماعي”، التي تقتحم على الإنسان كل حياته وتمارس سطوتها في أمكنة لا يمكن لوسائل الإعلام التقليدية أن تدخلها. ويلتقي هذا بالمثقف الذي يبيع موقفه لوسيلة الإعلام من أجل المال والشهرة، الذي تتاح له اليوم فرصة كسب المال عبر “الانحطاط” وامتلاك الشهر عبر “التدني”.
هكذا يمكن أن تكون الماكينة التي تقوم بإلهاء شعب أوضاعه مزرية.