مع اقتراب بداية كل عام دراسي، يبرز السوق المغربي للكتب المدرسية كواحدة من النقاط الساخنة التي تستقطب اهتمام الأسر والمطابع والمراقبين الاقتصاديين على حد سواء، التغييرات الأخيرة في معايير الطباعة والضغوط الاقتصادية التي تواجهها الأسر المغربية تجعل هذا القطاع محطًا للأنظار.
في هذا التحقيق، نستعرض التحديات التي تواجه سوق الكتب المدرسية في المغرب، وتأثيرات هذه التحديات على الأسر، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه السلطات في محاولة لمعالجة هذه القضايا.
تغيير معايير الطباعة: تحديات تقنية ومالية
شهدت الطباعة للكتب المدرسية في المغرب هذا العام تحولًا كبيرًا حيث تم تغيير حجم الكتب من 21×27 سم إلى 21×29.7 سم. هذا التغيير، الذي يهدف إلى تحسين جودة الطباعة، فرض تحديات كبيرة على المطابع، حيث يتطلب تعديل آلات الطباعة بالكامل لتلبية المواصفات الجديدة. وقد أدى هذا إلى ارتفاع التكاليف وتسبب في تأخيرات في عمليات الطباعة.
في حديث مع مدير إحدى المطابع الكبيرة في منطقة عين السبع، أشار إلى أن “التحول إلى الحجم الجديد يتطلب استثمارات ضخمة في آلات الطباعة الجديدة.
هذا الأمر ليس فقط مكلفًا، بل يستغرق وقتًا أيضًا لتكييف المعدات وتدريب العمال”. وأوضح أن “تغيير الحجم يتطلب ضبطًا دقيقًا لا يمكن تحقيقه إلا باستخدام آلات جديدة، وهو ما يمثل عبئًا ماليًا كبيرًا على المطابع”.
ثلاثة فقط من المطابع الكبرى في المغرب، وهي مجموعة المغرب soir، المعارف الجديدة، وأفريقيا أورينت، كانت قادرة على تلبية هذا المعيار الجديد، في حين أن معظم المطابع الأخرى كانت مجهزة فقط للطباعة بالحجم السابق 21×27 سم، هذه الفجوة في التكيف مع التغييرات التقنية أثارت قلقًا بين الأطراف المعنية حول المنافسة العادلة في السوق.
الضغط على الأسعار والمنافسة غير العادلة
التغييرات التقنية لم تكن العقبة الوحيدة. فقد أثيرت مخاوف من أن التغييرات في معايير الطباعة قد تؤدي إلى ارتفاع غير مبرر في الأسعار. بعض الأطراف تعتقد أن التغييرات قد تخلق ظروفًا غير عادلة للتنافس، حيث يمكن لبعض الشركات أن ترفع الأسعار بشكل مصطنع لتقليل المنافسة.
وقد عبر بعض المراقبين عن قلقهم من وجود تدخلات من قبل وسطاء غير مؤهلين يتلاعبون بالأسعار لتحقيق مكاسب غير عادلة. في هذا السياق، أوضح ممثل لمطبعة “أفريقيا أورينت” أن “الأسعار المرتفعة قد تكون نتيجة لوجود وسطاء يتلاعبون في الأسعار لزيادة هوامش الربح. هذا الأمر يؤثر سلبًا على المنافسة ويضر بالمستهلكين”.
التأثيرات على الأسر المغربية
تتزايد الضغوط على الأسر المغربية مع اقتراب العام الدراسي الجديد، حيث تزداد تكلفة شراء الكتب المدرسية، وفقًا لدراسة أجرتها فإن حوالي 40% من الأسر المغربية لديها أطفال في المدارسحيث أنهذه الأسر تعاني من ضغوط مالية بسبب ارتفاع تكاليف الكتب والمواد الدراسية.
تشير الدراسة إلى أن غالبية الأسر التي لديها أطفال في المدارس العامة تعتمد على جزء من راتب شهر شتنبر لتغطية تكاليف العودة إلى المدرسة، في المقابل الأسر التي لديها أطفال في المدارس الخاصة تعتمد بشكل أكبر على الادخار الخاص بها لتغطية التكاليف، مع نسبة صغيرة فقط تستخدم القروض الاستهلاكية كوسيلة لتمويل هذه النفقات.
الدراسة توضح أيضًا أن 69% من الأطفال في الأسر المستجوبة تقل أعمارهم عن 12 عامًا، مما يعني أن الأسر ذات الدخل المحدود تواجه ضغوطًا أكبر بسبب التكاليف المتزايدة للكتب المدرسية.
الاستجابة الحكومية ومحاولات الإصلاح
استجابةً لهذه التحديات، اتخذت وزارة التربية الوطنية قرارًا بالعودة إلى الحجم السابق للكتب المدرسية (21×27 سم) للعام الدراسي 2025-2026، هذا القرار يهدف إلى تخفيف الأعباء المالية على المطابع والأسر على حد سواء، في محاولة لمعالجة المشاكل التي نشأت بسبب التغييرات الأخيرة.
ومع ذلك، فإن التأخير في تنفيذ هذا القرار قد يسبب مشكلات إضافية، حيث أن عمليات الطباعة تحتاج إلى وقت لإعادة التكيف مع المواصفات القديمة، كما أن هناك مخاوف من أن الوضع الحالي قد يؤثر على التنافسية في السوق ويزيد من الأعباء المالية على الأسر في الوقت الراهن.
التحديات التنظيمية والرقابية
في محاولة لفهم هذه القضية بشكل أعمق، قام مجلس المنافسة المغربي بالتحقيق في هيكل أسعار الكتب المدرسية وتكاليف إنتاجها، أشار التقرير الصادر عن المجلس في عام 2023 إلى أن هناك نقصًا في البيانات الرسمية حول أسعار الكتب، مما يعقد عملية تقييم التكاليف الحقيقية.
المجلس أشار أيضًا إلى أن بعض دور النشر قد تمتلك مراكز نفوذ قوية في السوق، مما يساهم في استقرار الأسعار على مستوى عالٍ. وقد طالب المجلس بضرورة تحسين الشفافية وتعزيز الرقابة لضمان تحقيق المنافسة العادلة.
نظرة مستقبلية
على الرغم من الإجراءات المتخذة، يظل مستقبل سوق الكتب المدرسية في المغرب مليئًا بالتحديات، يحتاج السوق إلى معالجة القضايا المتعلقة بالتنافسية والشفافية في الأسعار لضمان توفير كتب مدرسية بأسعار معقولة للأسر المغربية.
من المهم أن تواصل الحكومة ووزارة التربية الوطنية العمل على إصلاحات تعزز من نزاهة السوق وتحسين الظروف المالية للأسر، كما يجب على المطابع ودار النشر التكيف مع التغييرات التقنية بشكل أكثر مرونة لتجنب أي تأثيرات سلبية على الأسعار وجودة التعليم.
في الختام، يكشف الوضع الحالي في سوق الكتب المدرسية في المغرب عن مجموعة من التحديات المعقدة التي تتطلب استجابة منسقة من جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق بيئة تعليمية عادلة ومستدامة.