كشف عبد اللطيف وهبي وزير العدل، أنه قد يتراجع عن تقديم مشروع قانون المحاماة في حال استمرت الخلافات حوله، و ذلك خلال انعقاد يوم دراسي نظمته لجنة العدل والتشريع بالتعاون مع وزارة العدل ووزارة التعليم العالي بمجلس النواب.
وقال وهبي بصراحة إن “قانون مهنة المحاماة قد لا يُصادق عليه”، مضيفًا أنه أجرى عدة لقاءات مع نقباء المحامين واستمع إلى مقترحاتهم بشأن المشروع، لكن بعض هذه المقترحات قوبلت بالتحفظ من جهات لم يذكرها، ما يعكس حالة من التباين في الرؤى بشأن القانون المرتقب، وأكد وهبي أنه إذا لم يتم التوصل إلى توافق حول نص المشروع، فإنه سيكون مضطرًا للتراجع عن تقديمه.
واستعرض وزير العدل بعض النقاط التي أثارت الجدل في مشروع القانون، حيث شدد على أن المحامي لا ينبغي أن يتمتع بأي حصانة إذا ارتكب جريمة ليست لها علاقة بمهنته. وأوضح أن التمسك بحضور نقيب المحامين أثناء استجواب المحامي لا يكون إلا في حال كانت التهمة مرتبطة بممارسة المهنة.
و قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي إنه طلب تأجيل مناقشة مشروع المسطرة المدنية حتى دورة أبريل المقبل لأن بعض بنوده مرتبطة بمدونة الأسرة التي يجب الحسم فيها، وشدد خلال مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية الخميس بمجلس النواب لأن المشروع يحتاج إلى تغيير بالنظر لحجم الاتفاقيات التي تمت المصادقة عليها وللتغيير الدستوري سنة 2011، لكن يبقى السؤال: هل يواكب هذا التغيير التفكير المجتمعي في المغرب؟ وأضاف: “كان عندنا نقاش كبير حول الاعتقال الاحتياطي وضماناته، فعندما يطلق سراح شخص وعائلة ضحيته لا تزال تتألم مما اقترفه، يخرج كلام عن الرشوة والأموال، وينتقل الموضوع من المجال القانوني إلى الأخلاقي، ويصبح القرار القضائي رهينة الخطاب السوقي”، وتابع: “طرحنا مشكل وجود المحامي أثناء الاعتقال، فالبحث الجنائي ممكن أن يكون في الثالثة صباحاً ويوم السبت والأحد، فهل عند المحاماة استعداد بأن تكون حاضرة في كل وقت؟”
وأكد وهبي أن مشروع قانون المسطرة الجنائية لم تضعه وزارة العدل بل الدولة بكل مكوناتها، وكان هناك نقاش مع كثير من الأجهزة، وموازين القوى هي التي تتحكم في الموضوع، وأكمل بالقول: “لا أخفيكم كانت هناك نقاشات حادة ومواجهات في هذا الموضوع لأنني أؤمن أن المواطن بعيداً عن الخطابات الشعبوية يجب أن تكون له ضمانات”، وتساءل وهبي: “بأي حق يمكن أن تأخذ دورية الشرطة المواطنين للتحقق من هوياتهم؟”، مضيفاً: “بعد نقاشات طويلة وصلنا إلى حل وسط أنا ضده لأن المواطن مادام لم يخلق مشكلاً فهو حر، وإذا كان شخص ما مطلوباً فعلى الأمن أن يعرف وجهه وصورته ويتم اعتقاله دون جمع مواطنين آخرين لا علاقة لهم بالموضوع” مضيفا وزاد: “وصلنا إلى أنه يمكن اعتقال شخص لمدة أربع ساعات غير قابلة للتجديد للتثبت من هويته”. متسائلاً: “كيف يمكن لمواطن أن يقترف تصرفاً معيناً كأن يحتسي قارورة خمر، فبأي حق يتم إيقافه بتهمة السكر البين؟”
وأكد وهبي أن هذا يتطلب إعادة النظر ليس في القانون الجنائي لوحده بل أيضاً في مساطر الاعتقال والمتابعة، لأن أي نص في قانون المسطرة الجنائية غير مقرون بجزاء هو نص لا فائدة منه.
وسجل أن الخطير في النص المسطري هو عندما يصبح مطية للقاضي، وعندما يتم إعطاء فرصة للقاضي كي يتصرف فيه كما يريد، وهذا الباب يجب إغلاقه.
واعتبر وهبي أن هناك قضايا أثارت ضجة كبيرة ومنها قضية “الفساد”، فقضية الإثراء غير المشروع مثلها مثل دورية الشرطة التي “تجمع كلشي”، مؤكداً أنه ضد الإثراء غير المشروع.
قال النقيب عبد الرحيم الجامعي إن قانون المسطرة الجنائية قانون استراتيجي كبير، ونحن في ملتقى الطرق لأن هذه اللحظة سترهن مستقبل العدالة الجنائية في المغرب، ومستقبل المحاكمة العادلة.
وأوضح في الندوة التي نظمها مجلس النواب، الخميس، لمناقشة مشروع القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، أن الأمر لا يتعلق بالسياسة أو السياسيين الذين هيأوا هذا المشروع، بل الأمر مرتبط بالمجتمع ومستقبل المواطنات والمواطنين، وأضاف الجامعي أنه في إطلالة منه على المشروع استبطن مسألة أساسية، هي انعدام الهندسة الحقيقية للمشروع، والأمر لا يتعلق هنا بالديباجة، التي يجب أن تنطلق من عدة عناصر، أولها الدراسة التوقعية، كما أنه لا يطرح قضية مجانية التقاضي لأننا اليوم نعيش مفارقة خطيرة بين النص الدستوري والواقع، لأن المساطر المدنية والجنائية مكلفة.
وتحدث الجامعي عن “أزمة الاعتقال” في المغرب، مشيرا أننا نعيش أزمة تعامل مع الحرية، وما يمكن أن يخفف منها هو خلق آلية تعويض لمن انتهكت حريتهم وانتهت مساطرهم بالبراءة أو العقوبة الخفيفة.
وسجل أنه ليس هناك حرص على الدقة واللغة في صياغة النصوص، وهذا ما نجده في مشروع المسطرة الجنائية عندما نعثر على عبارة “ما من شأنه”، “يمكن”، “يحق”، ووجود نسبة قليلة جدا في لغة المشروع يرد فيها مصطلح يجب.
وأكد الجامعي أنه إذا لم تأخذ بعين الاعتبار هندسة جديدة لمشروع المسطرة الجنائية فإننا نكرر ما يوجد عليه الأمر حاليا، رغم المجهودات والإيجابيات التي تم إدخالها على المشروع.
واعتبر أن ما يميز خطورة هذا النص هو أنه أتى بالأزمات، ووزير العدل نفسه يخاف من التحقيق في الهوية ومن الهشاشة في الألفاظ والبناء غير المنسجم مع النصوص، وهذا معناه أن أصحاب المشروع ليس وزارة العدل، وهنا يجب التساؤل بحسبه هل كان هناك صراع بين المؤسسة الأمنية والقضائية ووزارة العدل في صياغة المشروع.
واستدرك الجامعي بالقول : “أكيد هناك صراع ولم يحصل هناك توافق حقيقي على مشروع المسطرة الجنائية، ولهذا تم الإبقاء على مدة الحراسة النظرية ل 48 ساعة، وعلى السلطة التقديرية لضابط الشرطة القضائية فإذا ارتأى وضع إنسان في الحراسة النظرية يمكنه ذلك، وإذا ارتأى الوكيل العام للملك أن تدابير المراقبة القضائية غير كافية يمكنه أن يفعل ذلك”، وتساءل كيف يمكن منح هذه السلطة التقديرية لضباط الشرطة القضائية ولمؤسسة النيابة العامة في صلاحيات مطلقة وواسعة تمس من الحرية وكرامة المواطنات والمواطنين.
وتابع ” الدليل على هذا هو أكثر من 25 رأي للأمم المتحدة قال للسلطة القضائية وللحكومة المغربية إنكم تفسدون المحاكمة العادلة من خلال اعتقال الناس بشكل تحكمي”.، وتساءل أيضا كيف يكون المشروع متوازنا وهو يعطي السلطة للنيابة العامة في أمرين اثنين، من بينهما سحب صلاحية التكليف من القضاء الجالس، مما يشكل إجهازا على السلطة القضائية.
ودعا الجامعي إلى التراجع عن هذا المقتضى، مؤكدا أنه يجب تقوية أدوار مؤسسة لعبت أدوارا تشرف المؤسسة القضائية وهي مؤسسة التحقيق، وأن لا نذهب لقتلها انطلاقا من سحب صلاحياتها واستحواذ النيابة العامة عليها.