فيما يلي أرضية لعبد الله المليحي، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي وأحد قدماء مناضليه حول أزمة الحزب وسبل حلها…
*******************
*********************
ان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وانطلاقا من مساره النضالي على كافة المستويات الجماهيرية والمؤسساتية في مجال التأطير والتدبير، يحتاج منا كفاعلين حزبيين أن نطرح وبشكل واضح، هل الاتحاد يعيش أزمة تنظيمية أم فكرية أم بنيوية أم شيئا اخر؟
الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال يطرح عمق الازمة وتعقدها على جميع المستويات.
ولايجاد جواب مقنع حول أزمة الاتحاد وتراجع دوره داخل المجتمع، لايعفينا من أن نسلم من كون التحولات الكونية والمذهبية والمجتمعية التي عرفها العالم منذ انهيار جدار برلين سنة 1989 ساهمت الى حد ما في اتاحة الفرصة لمختلف التنظيمات ذات المرجعية الاشتراكية الى إعادة تجديد خطابها وصياغة مقاربات جديدة للوقوف ضد النيوليبرالية الجديدة التي بدأت تتضح معالمها في الهجوم على التنظيمات الاجتماعية لافساح المجال للرأسمال المتغول، دون أن نغفل الأنماط الاستهلاكية الجديدة والتعابير المجتمعية الوافدة والتي أدت الى تهميش دور الانماط الثقافية القديمة التقليدية الاسرة والمدرسة. كما أن سنوات الجفاف وما واكبها من هجرات متعددة الى تفسخ البنيات المجتمعية وبروز سلوكات وممارسات جديدة لم يكن الخطاب الحزبي قادرا على استيعابها والتأقلم معها وتأطيرها وإنتاج خطاب مجتمعي يلبي حاجيات الأجيال الجديدة وفق منظور اقتصادي يعطي للاجتماعي دوره الأساسي في السياسات العمومية على المستوى الترابي والجهوي والوطني.
كما أن تفكك السياسي عن النقابي / الجمعوي والثقافي والحقوقي والطلابي والمجالي /، أسهم الى حد كبير في تقلص دور المؤسسة الحزبية وتضخيم دور التمثيليات الفئوية مما أضعف من قدرة الحزب على القيام بدوره الاجتماعي والتأطيري.
كما أن طابع التسيير والتدبير الرديئ للمؤسسة الحزبية خاصة في السنوات الأخيرة، وهيمنة الذات الشخصية والانفرادية في القرار، جعل منه مكملا ومفعول به، بعدما كانت فاعلا أساسيا فكريا وسياسيا.
لذلك واستنتاجا لما قلت يظهر أن أزمة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هي أزمة بنيوية، أزمة لا يمكن حلها الا بتغيير كل بنياته وهياكله عموديا وأفقيا.
لهذا فان صياغة مقاربة حزبية جديدة تتطلب:
ـ إعادة الاعتبار المرجعية الاشتراكية على مستوى الإنتاج والممارسة في تبني برنامج اقتصادي يأخذ بعين الاعتبار الانسان في عمقه الثقافي والترابي والتنموي،
ـ انتاج خطاب سياسي يعيد الاعتبار لمرجعية الحزب الفكرية وتنزيلها على مستوى التنظيمات المحلية والوطنية والجهوية،
ـ صياغة برنامج سياسي يعتمد المصداقية والشفافية والموضوعية، يعيد للتنظيم الحزبي قوته التأطيرية والانفتاح على مستوى قضايا المجتمع والتنمية المحلية وجعل من الانسان في صلب البرامج الحزبية،
ـ إعادة الاعتبار للخصوصية الثقافية المحلية والسلوكات المجتمعية وجعلها أساس الخطاب الحزبي،
ـ القطع مع كل التنظيمات الحزبية التي لا تراعي البعد الديمقراطي في انتخاب الفروع والكتابات الإقليمية والمجالس الوطنية، والتي يجب أن تنتخب على شكل فدرالي يراعى فيه كل الخصوصيات المحلية،
ـ القطع مع كل أشكال الغموض الفكري في تبني المقاربات اللبيرالية التي هي في العمق لاتخدم هوية الحزب ولن تسمح بفرز خطاب متميز.
تلكم كانت أرضية ومساهمة متواضعة اردت من خلالها فتح نقاش حولها بين الاتحاديات والاتحاديين والاجابة كذلك عن الوضع الحالي لحزبنا الذي أصبح وضعه لايبشر بالخير.
الوضوح الفكري
لايمكن للحزب أن يخرج من أزمته الفكرية دون الوقوف على مكامن قوته وأسباب تراجعه، فالفكر الحزبي هو نتيجة نقاش مجتمعي يكون فيه العنصر الهوياتي والثقافي حاضرا بشكل أساسي، كما ان استلهام الأفكار الجاهزة والمستوردة هي اسقاط تعسفي على مجتمع له خصوصيته وتطوره التاريخي.
من هنا كان هامش التحرك المؤسسة الحزبية مرتبطا أساسا بالمدن والحواضر. فكلما وقع تحول على مستوى الحاجيات المجتمعية، جعل المؤسسة الحزبية يظل تأثيرها محدودا لأن الأدوات القائمة والأساليب الاستهلاكية الموجودة تهمش دور التأطير الحزبي وتجعل من هذه المؤسسة الحزبية العريقة غير مجدية وغير مغرية.
فالفاعل الحزبي يتطلب منه ان يكون له قدرة استشرافية على استيعاب مختلف التحولات المجتمعية وجعلها في سياق صلب نقاشه اليومي وبرنامجه الحزبي على مستوى الجماعات الترابية والمؤسسات التشريعية مع الاعتماد على أن الاشتراكية الديمقراطية في صلب بناء الدولة الوطنية الديمقراطية والتوزيع العادل للثروات، لبناء فكر حزبي فاعل ومؤثر.
كما أن إعادة تموقعنا في العالم القروي رهين بفهم بنياته ومكوناته وابتكار البرامج والحلول الاقتصادية والاجتماعية الناجعة لجعله يتأقلم مع محيطه السوسيو ثقافي والاجتماعي والتنموي.
ان تأهيل المجال الحزبي وتحيين أدواته وألياته لايتناقض جوهريا مع مضمون الفكر الاشتراكي الديمقراطي الذي يجعل من تنمية الانسان وتحسين اوضاعه الاجتماعية أحد مرتكزاته الأساسية.
المجال السياسي
أن إعادة الاعتبار للمؤسسة الحزبية ينبغي ان يعيد فيه النقاش حول دورها السياسي وإنتاج خطاب يراعي حجمها ومضمونها الفكري. كما أن المؤسسات التمثيلية للحزب على المستوى الوطني والترابي يجب أن تستوعب الحاجيات المجتمعية، وان تنتج بدائل موضوعية على مستوى الخطاب والممارسة والتأطير الحزبي الجاد والانفتاح على كل اشكال التعابير المجتمعية، / النوادي والجمعيات الحقوقية والنقابية/، مما سيسهم في إعطاء البعد الديمقراطي في التمثيل في المؤسسات الترابية والوطنية، أدوات وأليات البرنامج الحزبي، الشيء الذي سيقطع مع الذاتية والحلقية والفكر الأحادي وجعل من التشاركية أساس البرنامج الحزبي محليا وجهويا، وهذا لا يتناقض مع عمق الديمقراطية التمثيلية التي هي في جوهر الفكر الاتحادي.
ان هذا التمثل على مستوى بناء القاعدي الحزبي هو الذي سيسهم في تشكل الخطاب السياسي وبلورة البرنامج الحزبي الوطني الذي هو في العمق يعكس الحاجة الى بناء خطاب تراتبي، يجعل القاعدة الحزبية هي الأساس في صياغة الخطاب السياسي.
هذا الخطاب السياسي يجب أن يكون صادقا ومقنعا وجذابا دون لغة الخشب، قائم على أسس متينة وواضحة المعالم تعيد للمجتمع ثقته في العمل السياسي النبيل والملتزم.
لذلك أصبح من اللازم ادخال تعديلات جوهرية على وثيقة دستور 2011 والتي هي من الأولويات لترسيخ فصل حقيقي للسلط، دون التداخل فيما بينها أو تطاول سلطة على أخرى، القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة وفرض الجزاءات على مسؤولي السياسات العمومية، وكذلك استقلال قضائي فعال وناجع.
كذلك ادخال تعديلات مهمة وجوهرية للمجالات الترابية كمنح لرؤساء الجماعات المحلية سلطات أوسع وأكثر مما هو موجود حاليا، مقابل حذف أنظمة العمالات والاقاليم ومجالس المقاطعات، كل ذلك من أجل تنمية محلية تلائم المحيط الجغرافي سواء في المجال القروي او الحضري، وخلق فرص شغل حقيقية للسكان المحليين.
ليبقى الشيء الأساسي والجوهري هو توحيد الصف اليساري التقدمي لتكوين قطب قادر على الفعل السياسي على ارض الواقع متجاوزين الانانيات والمحاسبة، كذلك توحيد العمل النقابي كواجهة من واجهات النضال الاجتماعي لمواجهة المد المحافظ والليبرالي المتوحش. وكذلك العمل على توحيد الصف الطلابي والتلاميذي الذي يعتبر النواة الأولى للعمل النضالي الحداثي الديمقراطي التقدمي.
عبدالله المليحي
كاتب فرع حسان الرباط
عضو الكتابة الإقليمية للرباط
عضو المجلس الوطني.