*محمد عفري
لا ينظر المهتمون والخبراء الاقتصاديون إلى خارطة الطريق الحكومية لتعزيز التشغيل، بعين الرضى، ولا يُولُونها نسبة ضئيلة من النجاح المتوقع، وسندهم في ذلك الفشل الذريع الذي صاحب ذات الحكومة منذ تقلدها السلطة التنفيذية في إيجاد أبسط حل لسوق التشغيل الوطني منذ أكثر من أربع سنوات، إلى أن استفحلت البطالة إلى معدل غير مسبوق، في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال، ناهيك عن الفشل الذي لازم هذا السوق مع جل الحكومات المتعاقبة وكان التبرير دائما مرتبطا بسلبية المواسم الفلاحية وتأثر القطاعات الفلاحية وتأثيرها هي الأخرى على القطاعات الفلاحية ومن هناك تداعياتها جملة على اليد العاملة في البوادي قبل أن تطال المدن..
لاشك أن سوق الشغل الوطني كما باقي الأسواق في العالم مرتبط ارتباطا وثيقا بالتعليم و التعليم العالي والتكوين المهني المتعدد الشعب والروافد، ولعل نظرة اطفة ألى عدد خريجي هذه المؤسسات بعد المسار الدراسي الذين لا يغطون حاجيات سوق الشغل باعتبارهم كفاءات بلاجدوى ولا نفع كافية لتلخيص مصير سوق الشغل الوطني في علاقته مع برامج التعليم المتنوع والتكوين، ما يفرض إعادة النظر في برامج هذا التعليم والتكوين المفروض فيهما أن يكونا
سنويا؛ “الممون” الأساسي الذي لا ينضب لسوق السغل بالكفاءات متعددة التخصصات..
السيناريوهات المطروحة أمام الطموح الحكومي في التخفيف من حدة البطالة وخلق المزيد من فرص الشغل بحلول سنة 2030 تبقى
بمثابة خطوة حاسمة في إعادة هيكلة السياسات العامة الرامية إلى مواجهة التحديات الهيكلية لسوق الشغل المغربي، من خلال تحديد أهداف طموحة؛ بما فيها خفض معدل البطالة إلى 9 في المائة بحلول سنة 2030، وخلق 1,45 مليون فرصة عمل جديدة، إلى جانب دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة وإصلاح منظومة التكوين..لكن هل سيكون النجاح حليف هذه “الخطط” أم ستستمر كسابقاتها من الخطط مجرد “حديث” الشارع الذي لا يخرج عن إطار الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، أو فرصة لتلميع صورة الحكومة التي لم يتوقف فشلها عند التصدي للبطالة وحسب، وإنما عند العديد من الأوراش الاجتماعية، وفي مقدمتها “ورش” حماية القدرة الشرائية للمواطن المغربي، حيث كان الرفع في اسعار كل المواد والخدمات هو الشعار وهو الحل الأوحد الحكومة ذاتها لمواجهة الأزمات..
يرى المتتبعون للاقتصاد الوطني والخبراء بأسراره، أنه لنجاح هذه الاستراتيجية شروط أساسية لابدزمنها، إذ سيتطلب التنفيذ الفعلي للتدابير المعلنة تنسيقا أكبر بين الفاعلين العموميين والخواص، ثم تحسين استخدام الموارد المتاحة لتجنب تشتت الجهود وضمان تحقيق نتائج ملموسة، هذا مع ضرورة تعزيز حكامة سوق الشغل من خلال وضع آليات قيادة واضحة ومرنة تستجيب للتطورات الاقتصادية والاجتماعية..
ولعل إعادة هيكلة سوق الشغل لن تكون فعالة بشكل كامل بدون دمج أكبر للاقتصاد غير المهيكل وتحقيق توافق بين التكوين واحتياجات السوق وتسريع التحول في المجالين الرقمي والبيئي، في وقت يظهر على أن تبني مقاربة حساسة للنوع الاجتماعي سيكون أداة رئيسية لتعزيز وصول النساء إلى وظائف ذات جودة وتقليص الفوارق الهيكلية.
لنجاح تام لهذه الاستراتيجية فإن مسألة المتابعة الدقيقة للنتائج تعتبر أمرا حاسما لضبط السياسات في الوقت الفعلي وضمان تحقيق الأهداف المحددة؛ في حين سيمكّن وضع نظام معلوماتي فعال من ضمان الشفافية والمساءلة في الإجراءات المتخذة..
فنجاحُ خارطة الطريق هذه سيعتمد على قدرة المغرب على تحويل الرؤية الاستراتيجية إلى أعمال ملموسة تتماشى وواقع الميدان ومدعومة بالتزام قوي من جميع الأطراف المعنية..
و دون التمكّن من تقليص معدلات البطالة إلى 9 في المائة بحلول سنة 2029، وهو الطموح الذي يتطلب تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7,9 في المائة سنويا، وهو معدل يبقى أعلى بكثير من المعدلات الحالية البالغة 3,5 في المائة، ودون إعادة النظر في التكوين المهني والتعليم العالي، ودون إدماج فعلي للقطاع غير اامهيكل وإن كان الحيز الزمني صغيرا، فإن نجاح الاستراتيجية المذكورة سيكون من ضرب الخيال، خصوصا
أن امتصاص الوافدين الجدد على سوق الشغل وتحقيق نسبة نمو تصل إلى 4 في المائة، مع إمكانية خلق آلاف الوظائف الإضافية، وهو هدف يبدو أبعد قابلية للتحقق على أرض الواقع، بالنظر إلى التوقيت المتأخر الذي انطلقت فيه خارطة الطريق لسوق الشغل الوطني…