في تصعيد سياسي غير مسبوق، وجّه حزب العدالة والتنمية انتقادات لاذعة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على خلفية انسحاب هذا الأخير من مبادرة تقديم ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة، وهي المبادرة التي كانت موضوع تنسيق بين مكونات المعارضة البرلمانية خلال الأسابيع الماضية.
ووصفت الأمانة العامة لـ“البيجيدي” انسحاب حزب “الوردة” بأنه تم “بطريقة مشبوهة وغير مسؤولة”، معتبرة أن “المبررات المقدمة لذلك سخيفة وهزيلة”، بحسب ما جاء في بلاغ رسمي صدر عن الحزب عقب اجتماع أمانته العامة برئاسة الأمين العام عبد الإله ابن كيران.
اتهامات ثقيلة ومسارات متوترة
ولم يتردد الحزب في تحميل رفاق إدريس لشكر مسؤولية “عرقلة” ما وصفه بـ”مبادرة دستورية من صميم العمل الرقابي”، مُعيدًا إلى الذاكرة السياسية “الدور المشبوه” الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي عقب انتخابات 2016، في إشارة إلى أزمة “البلوكاج” الحكومي التي أطاحت حينها بحلم بنكيران في تشكيل الحكومة.
وقال الحزب إن ما وصفه بـ“الانسحاب الغامض” يُضعف العمل السياسي ويكرّس انعدام الثقة بين مكونات المعارضة، محذرا مما أسماه “أدوارا بئيسة تُسفه الممارسة الديمقراطية”، ومُعبّرا عن أسفه لما آل إليه “سلوك حزب تاريخي كان يُفترض أن يقف في مقدمة الصف الديمقراطي”، على حد تعبير البلاغ.
انتقادات واسعة للحكومة وملف الدعم الاجتماعي
ولم يفوّت “البيجيدي” الفرصة دون مهاجمة الحكومة، داعياً إياها إلى “تسريع تفعيل التوجيهات الملكية بخصوص إعادة تكوين القطيع”، وشدد على ضرورة ضمان “الشفافية والنجاعة” في تدبير الدعم الفلاحي.
وفي سياق متصل، انتقد الحزب ما وصفه بـ“التحكم في قطاع الصحافة والنشر”، مذكّرا بقرب انتهاء الولاية الاستثنائية للجنة المؤقتة لتسيير شؤون القطاع، التي تم تعيينها في أكتوبر 2023، وداعيًا الحكومة إلى احترام مبدأ التنظيم الذاتي واستقلالية الجسم الصحفي.
كما نبّه إلى خطورة “الطريقة التحكمية” في صرف الدعم العمومي للصحافة، محذرًا من تأثير ذلك على حرية التعبير، ومطالبًا بضمان حرية الصحافة تزامنًا مع مناقشة مشروع القانون المتعلق بتنظيم منصات التواصل الاجتماعي.
العدالة والتنمية يهاجم أسلوب “الريع والزبونية”
البلاغ الحزبي وجّه اتهامات مباشرة إلى “أحزاب الحكومة”، وعلى رأسها الحزب الأغلبي، باستغلال برامج الدعم الاجتماعي، ودعم السكن، والصيد البحري، لأغراض انتخابية ضيقة.
وسجّل “البيجيدي” استياءه مما وصفه بـ“الريع الحزبي”، مستشهدا بتصريح نسبته إلى كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، قالت فيه إنها صرفت 11 مليون درهم كدعم لفائدة عضو من حزبها، معتبرا ذلك دليلاً على “غياب معايير الشفافية والمساواة”.
ملتمس الرقابة: مبادرة تعثّرت في المهد؟
وكانت مكونات المعارضة البرلمانية قد أعلنت توافقها المبدئي قبل أيام على إعداد ملتمس رقابة ضد الحكومة، وهي آلية دستورية تهدف إلى إسقاط الحكومة في حال حظيت بموافقة الأغلبية المطلقة داخل مجلس النواب.
غير أن الانسحاب المفاجئ للاتحاد الاشتراكي، نسف هذا التوجه، خاصة أن فرق المعارضة لا تتوفر مجتمعة سوى على النصاب الأولي (خُمس أعضاء المجلس) دون أن تبلغ النصاب الحاسم لتمرير الملتمس.
وقد جاء هذا التراجع في سياق خلافات بينية محتدمة داخل المعارضة، خاصة بين “البيجيدي” والاتحاد الاشتراكي، في ظل غياب أرضية سياسية متينة أو رؤية تنسيقية موحدة، ما أعاد الجدل مجددا حول فعالية المعارضة البرلمانية في مواجهة الحكومة ذات الأغلبية العددية المريحة.