تتكرر المناسبات الانتخابية وتتكرر معها الخطابات الانتخابية. فالخطاب الانتخابي، وإن كان في جوهره خطابا سياسيا، إلا أنه يظل خطابا سياسيا مزوّرا إذا اعتمدنا على قاعدة ما يروج في الوقت الراهن من صراعات حزبية هنا وهناك، بعد مصادقة الحكومة على مشروع قانون استخدام وزراعة القنب الهندي في الأغراض المشروعة الطبية والصناعية، وإحالته على البرلمان للمصادقة عليه، ثم نشره بالجريدة الرسمية ليصبح قانونا ساري المفعول.
المعروف أن الخطاب الانتخابي يستعمل كل الوسائل والإمكانيات من أجل إقناع الآخر، ومنها ضرب المبادئ الأساسية للحزب، بل وضرب المبادئ القانونية و حتى الدستورية إن دعت الضرورة. ولعل إطلالة خاطفة على تصريحات زعماء الأحزاب السياسية في هذا الصدد، تجد أنها تتنطع كما تتنطّع الضفادع، أي أنها تقفز من مكان إلى آخر من دون أن تترك آثارا واضحة، سوى استفهامات مُبهمة وغير مفهومة.
الحقيقة أن الأحزاب السياسية بالمغرب هذه الأيام، اختلطت عليها الأمور، فتداخل لديها القاسم الانتخابي مع تقنين الاستعمال الشرعي للحشيش والكيف، فـ” دَاخ ” الزعماء السياسيون، خصوصا زعماء حزب العدالة و التنمية، لأنهم كُـثـْر في الجلوس على مقعد واحد، وفي الاصطفاف وراء هذا النص أو غيره.
فالقانون الانتخابي قانون تحكمه أصوات الأغلبية بالبرلمان، وهو ليس نصّا منزّها كما أنه ليس دستورا، ولكنه يبقى قانونا قابل للتغيير حسب الظروف وحسب الزمن. أما قانون الاستعمال الشرعي للقنب الهندي، فهو أوّلا، قانون استثماري و تنموي ضخم، لانه سيحدد المساحات المزروعة.وثانيا فهو قانون لشراء هذا المنتوج قانونيا وتسويقه من قبل الدولة أو من قبل مستثمرين فيه، وثالثا لتصنيعه قانونيا وإعادة بيعه عالميا في السوق الدولية للأدوية و النباتات العطرية..
إلى هنا، الموضوع عاد جدا. لكن لأن نبتة القنب الهندي أو الكيف، أثارت منذ عقود خلت نقاشات انتخابية، وكانت محط مراقبة أمنية صارمة، كان لابد أن يخرج إلى حيز الوجود قانونا منظما ليصبح مادة انتخابية يحوّرها المتحدث أو الفاعل السياسي كيفما أراد.
إن الخطاب السياسي، على الرغم من أنه خطاب استجدائي واستعطافي إلا أنه، يبقى بدرجة أولى خطابا إقناعيا بالنسبة للمواطن، والمواطن بصيغة الجمع، ليس هو المواطن، كما يفهمه حزب العدالة والتنمية ويعتبره ذلك المواطن البسيط جدا الذي كان يخاطبه بنكيران بشعار محاربة الفساد المالي في الجمعيات مثلا أو محاربة الدعارة في أوكارها بمدن وقرى معينة، حيث ظل الخطاب بمدلولات متعددة، يسهل معه الخلط في المفاهيم لدى المتلقي، لتسهل الاستفادة منه انتخابيا.
الخلاصة أن الخطاب الانتخابي لم يعد سياسيا، ولكنه أصبح خطابا لتجاذب الصراعات ومجالا للتصادم و القفز على الحقائق، في محاولة واضحة لكسب الأصوات، ولو كان ذلك عبر ضرب الأعراف الأخلاقية والقانونية وحتى الدستورية المتعارف عليها عرض الحائط، الشيء الذي يصبح معه المواطن ضحية لهذا النقاش السفسطائي..