في خطوة وصفت بأنها “ضربة ثقيلة الوقع” على الدبلوماسية الجزائرية، أعلنت المملكة المتحدة دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لحل النزاع الإقليمي حول الصحراء، وهو موقف أنهى عقودًا من الحياد البريطاني في هذا الملف، وكرّس تحولا استراتيجيا جديدا في مواقف القوى الغربية الكبرى تجاه المقاربة المغربية.
ووفق ما أوردته صحيفة إلكونفيدينسيال الإسبانية، فإن هذا الموقف البريطاني لم يكن وليد لحظة، بل نتاج مسار تراكمي من الضغط الدبلوماسي والاستثمار الاستراتيجي مارسه المغرب في دوائر القرار في لندن، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فقد ربطت الرباط مستقبل العلاقات مع بريطانيا بمشاريع اقتصادية وتجارية وأمنية متكاملة، شكلت رافعة أساسية لتغيير تموقع لندن بشأن الصحراء.
وفي هذا السياق، لفت التقرير إلى أن أول اتفاق تجاري وقّعته لندن بعد “البريكسيت” كان مع المغرب، وهو ما عزز الشراكة الثنائية ورفع من حصة المغرب في السوق البريطانية، ليصبح خلال السنوات الأخيرة موردًا رئيسيًا للمنتجات الفلاحية، متفوقًا على إسبانيا، وهو ما يعكس التحول التدريجي في نظرة بريطانيا إلى المملكة كشريك استراتيجي موثوق.
وبانضمام لندن إلى قائمة الداعمين للمبادرة المغربية، يتعزز الزخم الدولي المتنامي حول مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، إلى جانب دول كبرى كالولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، وهولندا، وكينيا، التي انتقلت بدورها من دعم جبهة البوليساريو إلى اعتبار الحكم الذاتي “الحل الواقعي والمصداقي” للنزاع.
وترى الصحيفة الإسبانية أن الموقف البريطاني الجديد يندرج ضمن ما تسميه الحكومة البريطانية بـ”الواقعية التقدمية”، وهي مقاربة توازن بين المبادئ والمصالح، وتجد ترجمتها في سلسلة من الاتفاقيات التي تشمل التجارة والاستثمار والتعاون الأمني، في ظل استعدادات مشتركة لتنظيم كأس العالم 2030.
غير أن هذا التحول، تقول إلكونفيدينسيال، أربك حسابات الجزائر، التي كانت تراهن على مقعدها كعضو غير دائم في مجلس الأمن لتوجيه النقاش الأممي بشأن الملف، إذ وجدت نفسها أمام واقع دبلوماسي مغاير، تتسارع فيه مواقف داعمة للمغرب من داخل العواصم الغربية.
وفي تحليله للمعطيات الجيوسياسية، يرى المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة (RUSI) أن المغرب أصبح فاعلًا مركزيًا في معادلة الاستقرار الإقليمي في شمال وغرب إفريقيا، وهو ما يتجلى – بحسب التقرير – في مبادرات اقتصادية مثل تدشين محطة كهرباء في نيامي نهاية عام 2024، أسهمت في تعزيز السيادة الطاقية للنيجر.
وخلصت الصحيفة الإسبانية إلى أن ما يحققه المغرب اليوم هو ثمرة لعمل دبلوماسي متواصل، يتسم بالنَفَس الطويل والمثابرة الاستراتيجية، مشيرة إلى أن النزاع حول الصحراء لا يمكن حله بلغة الشعارات، بل عبر مسارات سياسية ودبلوماسية تراكمية تفرض واقعًا جديدًا على الأرض.