يعرف المغرب شكلين سياسيين تحت سقف واحد.
الشكل الأول هو الدولة الديمقراطية، التي ارتضاها المغاربة بقيادة جلالة الملك محمد السادس، وهي دولة تم تعزيزها بالتصويت على دستور 2011، الذي يعتبر دستورا “ثوريا” بما أحدثه من خلخلة في البنيات المؤسساتية للمغرب، وبما منحه من صلاحيات وسلط لكثير من المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة رئيس الحكومة، التي منح اختيارها للناخبين من خلال الإقرار باختيار رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالتربة الأولى في الانتخابات التشريعية.
أما الشكل الثاني فهو دكتاتورية الأغلبية، المتجسدة اليوم في الحكومة، التي يترأسها عزيز أخنوش، التي استغلت الصلاحيات المخولة دستوريا للحكومة، عن طريق أغلبيتها، وكنا قد حذرنا من هذا الطريق منذ أول افتتاحية بعد تنصيب الحكومة الجديدة، بل منذ أن أعلن رئيس الحزب الفائز بالرتبة الأولى عن تشكيل أغلبيته، التي تعتبر محاولة للالتفاف على الديمقراطية.
لقد اختار أخنوش تجميع الأحزاب الثلاثة الأولى في أغلبية، دون مراعاة الانسجام السياسي والإيديولوجي، فتكونت أغلبية عددية تعبر عن مصالح “تجمع المصالح الكبرى”، وفق المصطلح الذي ارتضيناه للتعبير عن الجهة التي تمثلها الأغلبية اليوم.
لقد أصبحنا في الحاجة إلى ماركس رأسمالي يكتب لنا عن “دكتاتورية الأغلبية” بديلا لـ”دكتاتورية البروليتارية”. فاعتقاد ماركس بضرورة حكم “البروليتارية” لأنها تمثل أغلبية الشعوب المسحوقة، وبغض النظر عن مدى صواب هذه الفكرة بالأمس ومدى صلاحيتها اليوم، لكن البروليتاريا تبقى هي أغلبية الشعب، بينما “دكتاتورية الأغلبية”، تمثل اليوم “أقلية الأقلية”، وما يعبر عنه عند العرب القدامى بـ”همل الإبل”.
دكتاتورية الأغلبية نمط في الحكومة مخالف للدستور، الذي قام على أساس تشاركي. فالدستور بكليته وباعتباره الوثيقة الأسمى، التي تؤطر شأن المغاربة، تم إنجازها وفق منطق تشاركي. حيث تم تنصيب لجنة للاستماع لكل أطياف المغاربة. أحزابا سياسية ومنظمات نقابية ومهنية وجمعيات مدنية، قبل عرضه على الشعب للنقاش والتصويت.
بينما الحكومة تقوم على أساس فرض قوانينها خارج منطق التشارك، ولا تولي أي اهتمام للأطراف المعنية بقاعدة الحوار، وتقدم مشاريع القوانين، التي تريد، إلى البرلمان، حيث يتم التصويت عليها في اللجنة بحكم الأغلبية العددية، وكذلك الشأن بالنسبة للجلسة العامة، التي يتم فيها تجييش الأغلبية العددية للتصويت.
حكومة النمط الواحد خطيرة مثلها مثل حكومة تشتيت المشهد. وهذا ما انتبه إليه الملك الراحل الحسن الثاني (قدس الله سره)، عندما دعا بداية التسعينات من القرن الماضي إلى تأسيس قطبين سياسيين، واحد على اليمين وواحد على اليسار وبينهما وسط لمنع التشتيت ومنع الهيمنة.
الحكومة كشّرت عن أنيابها وأصبحت القاعدة للتصرف والسلوك لديها هي تمرير القوانين عبر الأغلبية العددية، ومررت كثيرا من القوانين بهذه الطريقة، ويكفي هنا ذكر القانون التنظيمي للإضراب، الذي بأهميته الكبرى في الدورة الاستثمارية، تمت صياغته دون إشراك أي فاعل في القطاع، وفي النهاية تم تمريره عبر التصويت. ويمكن ذكر قانون المسطرة الجنائية الذي تمت مناقشته خارج أطر التشارك، واليوم يصل قانون جديد مثير للجدل يتعلق بالمجلس الوطني للصحافة دون استشارة أي هيئة مهنية.
دكتاتورية الأغلبية خطر على الدولة الديمقراطية، لأنها تتبنى خيارات الدولة وآليات الديمقراطية لتدوس على روح وجوهر الديمقراطية.