عندما صرّح وليد الركراكي، مدرب المنتخب الوطني المغربي، بأنه مستعد للتنحي إذا وُجد من هو أقدر منه على قيادة “أسود الأطلس” نحو التتويج بكأس إفريقيا 2025، لم يكن كلامه مجرد تواضع عابر أمام عدسات الكاميرا، بل إشارة عميقة إلى إدراكه لحجم الرهانات وضغط المرحلة.
في الندوة الصحفية الأخيرة، رسم الركراكي ملامح مشروع يتجاوز حدود النتائج الآنية إلى بناء منتخب قادر على مجابهة التحديات القارية، وسط محيط يعج بالمتغيرات التقنية والبدنية داخل المدارس الإفريقية.
وهنا تتضح فلسفة الرجل: الواقعية دون التفريط في الطموح، والاستعداد لتقبل النقد في سبيل تحصين المجموعة وتحقيق هدف جماعي، لا شخصي.
التأكيد على حلم رؤية أشرف حكيمي يرفع الكأس الإفريقية ليس مجرد تعبير عاطفي، بل هو تلخيص لحالة وطنية من الترقب والانتظار منذ آخر تتويج سنة 1976. الركراكي يدرك جيداً أن هذا الجيل، الذي أذهل العالم في مونديال قطر، يملك من المؤهلات ما يكفي لكتابة التاريخ، لكنه في الوقت ذاته يعي أن الطريق نحو المجد الإفريقي يمر عبر معارك تكتيكية شرسة ضد منتخبات تملك سلاح الانضباط والدفاع والقدرة البدنية، وهو ما يفسر تفضيله مواجهة تونس والبنين عوض منتخبات أوروبية.
من جهة أخرى، لا يُخفي المدرب الوطني قلقه من الواقع الدفاعي الصعب الذي يفرضه شبح الإصابات، مما دفعه إلى تجريب أسماء جديدة، في خطوة تنم عن مرونة فكرية وواقعية في التكيف مع المتغيرات، بعيداً عن العناد التكتيكي الذي سقط فيه كثيرون قبله.
كما أن قراره بخوض المباراتين الوديتين في مدينة فاس يعكس بعداً اجتماعياً وإنسانياً في تعاطيه مع كرة القدم، باعتبارها عامل وحدة وفرح جماهيري، وليس فقط أداة لتحقيق الإنجازات. هو يعي تماماً رمزية تقريب المنتخب من جمهوره في مختلف مدن المملكة، وهو ما يعزز جسور الثقة بين الفريق الوطني ومواطنيه.
أما في تعامله مع احتياجات الأندية، كما في حالة اللاعب آدم أزنو، فيكشف الركراكي عن فهم متوازن للعلاقة بين المنتخب والأندية، حيث لا مكان للأنانية أو الصدام، بل رؤية تقوم على تحفيز اللاعب لفرض ذاته في المحافل الكبرى، وهو مكسب استراتيجي للكرة المغربية.
في المحصلة، وليد الركراكي لا يراهن فقط على المهارات الفنية أو الخطط التكتيكية، بل يراهن على البناء الذهني، على الوحدة والالتزام، وعلى الاستثمار في القيمة الجماعية للمنتخب، ما يجعله ليس مجرد مدرب، بل مهندساً لمشروع وطني يضع اللقب الإفريقي في صدارة الأولويات، دون أن يغفل عن تفاصيل الطريق الشاق الذي يقود إليه.