تستمر الساعة الإضافية في المغرب، التي تم اعتمادها بشكل دائم منذ أكتوبر 2018، غب اثارة الجدل في الأوساط الشعبية والنقاشات السياسية. فعلى الرغم من تبريرات الحكومة التي تربط القرار بمزايا اقتصادية وتنظيمية، فإن شريحة واسعة من المجتمع المغربي لا تزال تطالب بإلغائها، معتبرةً أنها تلحق أضرارًا بالصحة، تزعزع النظام اليومي للأسر، وتؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي للتلاميذ.
و بدأ المغرب في اعتماد التوقيت الصيفي بشكل دائم (GMT+1) باستثناء شهر رمضان، منذ بلاغ مفاجئ صدر عن الحكومة في أكتوبر 2018، قبيل أيام من تغيير التوقيت إلى التوقيت الشتوي المعتاد. وقد عزت الحكومة قرارها إلى نتائج دراسة “تجريبية” أفادت بأن الساعة الإضافية تساهم في تقليص استهلاك الطاقة وتحسين مردودية العمل وتسهيل التبادل الاقتصادي مع الشركاء الدوليين، خاصة في أوروبا.
لكن هذه المبررات لم تقنع جزءًا كبيرًا من المواطنين، الذين يعتبرون أن القرار تم فرضه دون استشارة مجتمعية كافية. وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حملات دورية تطالب بإلغاء الساعة الإضافية، وتبرز فيها شهادات لمواطنين يتحدثون عن صعوبات التأقلم، خصوصًا لدى الأطفال والتلاميذ.
تقول فاطمة، أم لطفلين يدرسان في المدرسة الابتدائية: “أضطر إلى إيقاظ أبنائي قبل طلوع الشمس، في البرد والظلام، لكي يلتحقوا بالمدرسة في الساعة الثامنة. هذا يضر بصحتهم النفسية والجسدية”.
عدد من الدراسات غير الرسمية وتقارير المجتمع المدني تشير إلى أن اعتماد الساعة الإضافية يُربك الساعة البيولوجية للإنسان، ما ينعكس على التركيز والإنتاجية، خاصة لدى التلاميذ والموظفين. وقد دعا أكثر من تنظيم نقابي وجمعوي إلى مراجعة هذا القرار، معتبرين أنه لا يراعي الخصوصيات الاجتماعية والجغرافية للمغرب.
و يطالب جزء كبير من المواطنين بالعودة إلى توقيت غرينتش (GMT) طوال السنة، أو على الأقل إعادة اعتماد التوقيت الشتوي ابتداءً من أواخر أكتوبر كما كان عليه الحال سابقًا. كما يدعو آخرون إلى تنظيم استشارة وطنية شاملة، تُراعى فيها آراء الخبراء في الصحة والطاقة والتعليم، بالإضافة إلى رأي المواطن البسيط الذي يتحمّل تبعات هذا القرار.
و رغم مرور أكثر من خمس سنوات على ترسيم الساعة الإضافية في المغرب، لا يزال الجدل محتدمًا. فبين من يراها خيارًا استراتيجيًا اقتصاديًا، ومن يصفها بـ”الساعة المزعجة”، يبدو أن النقاش المجتمعي حول هذا الموضوع لن يخفت قريبًا، ما لم تبادر الحكومة إلى فتح حوار وطني شامل يضع مصلحة المواطن في صلب أي قرار مستقبلي.
تستمر الانتقادات للحكومة بسبب الساعة الإضافية، حيث يواصل المواطنون التعبير عن رفضهم لها بسبب ما تخلفه من معاناة يومية لهم، وفي ظل تحذيرات من مخاطر صحية محتملة، في وقت تركن فيه الحكومة إلى الصمت.
موضوع الساعة الإضافية الذي رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة التفاعل مع أسئلة بشأنه طرحها عليه مجموعة من الصحافيين الأسبوع الماضي، عاد إلى البرلمان، عبر النائبة عن فيدرالية اليسار الديمقراطي فاطمة التامني، التي جددت نقل معاناة المغاربة مع هذه الساعة لرئيس الحكومة، منتقدة العمل على خدمة المستثمرين وتهميش مطالب المغاربة.
وجاء في سؤال كتابي موجه لرئيس الحكومة عزيز أخنوش “بعد مرور أكثر من ست سنوات على اعتماد الساعة الإضافية بشكل دائم، تتزايد الأصوات الرافضة لهذا القرار الذي أثبتت الدراسات العلمية والواقع المعيش ارتباطه الوثيق بزيادة الاضطرابات النفسية والاجتماعية، خاصة لدى الأطفال والتلاميذ والطلبة والعاملات ممن يضطرون للتنقل في ظروف خطيرة، بعيد غروب الشمس”.
وساءلت التامني أخنوش حول ما إذا كانت الحكومة ستستمر في تجاهل هذه الانعكاسات الخطيرة على الصحة العامة، وما إذا كانت المصالح الاقتصادية للشركاء الأجانب، ستظل أولوية تفوق سلامة المواطنين.
وتوقفت البرلمانية على كون تقارير دولية في عدة دول، كشفت أن التراجع عن الساعة الإضافية كان ضروريا بعد ظهور آثارها السلبية على الإنتاجية والصحة النفسية، متسائلة “لماذا تصر الحكومة على تبني نموذج فاشل، بينما يعاني المغاربة من اضطرابات النوم وضعف التركيز وارتفاع معدلات حوادث السيرة؟”.
واعتبرت التامني أن من المفارقة أن تبرر الحكومة هذا القرار بالاقتصاد في الطاقة، بينما ترفض نشر الدراسة الكاملة التي استندت إليها، والتي يشكك حتى أعضاء الحكومة في نتائجها.
وأكدت برلمانية فيدرالية اليسار أن المسؤولية الكاملة عن هذه الأزمة تقع على عاتق الحكومة، على غرار الحكومة السابقة التي أقرتها.
وانتقدت كون الحكومة تتعامى عن مطالب شعبية واسعة، بل وتتجاهل حتى نداءات البرلمانيين والمجتمع المدني، رافضة أن يهمش مطلب المواطنين بالعودة إلى التوقيت العادي تحت ذريعة التنسيق مع الشركاء الاقتصاديين، بينما تهمش حقوقه الأساسية في الراحة والصحة النفسية، وخلصت التامني في سؤالها إلى مطالبة رئيس الحكومة بإعلان التراجع عن هذا القرار غير المدروس، والإصغاء لصوت الشعب الرافض للساعة الإضافية.