في كل عاشوراء، تخيّم أجواء غريبة على بعض الأحياء المغربية، حيث تتحول المناسبة الدينية إلى موسم تتداخل فيه الطقوس الاحتفالية بالخوف من “السحر”، وسط ما يُعرف شعبياً بـ”الشّعدوة” — ظاهرة تواصل إثارة الجدل داخل المجتمع، وتُلقي بظلالها على السلوك الفردي والجماعي، دون أن تجد طريقها إلى النقاش العمومي الجاد.
في جولة ميدانية بإحدى ضواحي المدن العتيقة، صادفنا سيدة خمسينية ترتدي جلباباً داكناً، تحمل بيدها كيساً بلاستيكياً صغيراً وتتمتم بكلمات غير مفهومة عند إحدى زوايا الزقاق.
سألنا أحد السكان المجاورين، فابتسم قائلاً: “هذه من النساء اللي كيديرو الشعدوة، ما كاينش اللي ما كيعرفش هادشي هنا.”
في أماكن متفرقة من المقابر والأسواق الشعبية، يُلاحظ تزايد بعض الممارسات الغريبة في يوم عاشوراء: رشّ الماء أو الزيوت في الممرات، وضع أكياس صغيرة تحت الأشجار، أو حرق أعشاب معينة مع ترديد تعاويذ. ورغم تحفظ الكثيرين عن الحديث، فإن الخوف من هذه الطقوس حاضر بقوة.
خوف صامت… ومعتقدات راسخة
استقينا آراء مواطنين كُثر، رفض أغلبهم التصريح بهوياتهم، مؤكدين أن “هناك شيئاً يحصل فعلاً في عاشوراء”، وأن “البعض يستغل المناسبة للقيام بأعمال نجهل طبيعتها، لكنها تؤثر في الواقع بطريقة أو بأخرى”.
سيدة متزوجة منذ ثلاث سنوات تقول: “كل عام كيوقع مشكل بيني وبين راجلي في عاشوراء، بلا سبب. والوالدة ديالي كتقول باللي راه شي وحدة شعداتنا… ما عرفتش، ولكن كنخاف من هاد النهار”.
الشعور ذاته يتقاسمه شاب جامعي، أكد أنه يُفضّل عدم اتخاذ قرارات مهمة في هذا اليوم، “ماشي خوف، ولكن الواحد كيبقى متردد، حيث بزاف كيهضرو على الطاقة السلبية ديال هاد النهار”.
رؤية باحث: “طقوس مقاومة مبطنة”
يرى باحث في علم الاجتماع أن هذه الظاهرة هي “امتداد لثقافة جماعية ترتكز على الغموض كمصدر للقوة”، مضيفاً أن “الشعدوة ليست فقط سلوكاً شعائرياً، بل تعبير رمزي عن مقاومة صامتة تمارسها بعض النساء للتأثير في المحيط الذي يحاصرهن اجتماعياً”.
ويضيف أن “اختيار عاشوراء بالذات لا يخلو من دلالة، باعتباره يوماً ذا رمزية روحية، يُعتقد أن الحجاب بين العالمين يصبح فيه أرق، ما يُغري البعض باستغلاله لتمرير نوايا دفينة عبر طقوس سحرية”.
صمت رسمي… وتواطؤ اجتماعي؟
رغم أن القانون المغربي يُجرّم السحر والشعوذة، إلا أن التعامل مع الظاهرة يبقى محدوداً، سواء من الناحية الأمنية أو التربوية.
أغلب الضحايا المفترضين لا يُصرّحون بما يتعرضون له، إما بدافع الخجل أو عدم القدرة على الإثبات. وفي المقابل، يستمر عدد من “العرافات” و”المشعوذات” في استقبال الزبائن، خصوصاً في أيام عاشوراء، مقابل مبالغ تصل إلى آلاف الدراهم.
يطرح هذا الوضع تساؤلات جدية حول دور المدرسة، والإعلام، والسلطات الدينية في تفكيك هذه البنية الثقافية، التي تكرّس الخوف وتُضعف الثقة في الذات والعقل والمنطق.
تظل “الشعدوة” في عاشوراء ظاهرةً ضبابية تختلط فيها المعتقدات بالخرافات، ويصعب الإمساك بخيوطها. لكنها، في العمق، مرآة لقلق اجتماعي دفين، يُحتمَل أن يكون أقوى وأعمق من مجرد طقوس سحرية.