حل عيد العرش المجيد ليبرز التفوق المغربي و النجاح الوطني القائم على تلاحم العرش و الشعب و العمل سويا على نهضة هذه الأمة المغربية العريقة، وتأتي ذكرى عيد العرش العلوي المجيد لتستحضر معاني تاريخ أمة مجيدة عمرها قرون من الزمن بقيادة عرش علوي مجيد، كما تستحضر ذكرى العرش العلوي المجيد قوة القيم الوطنية في التضحية و التفاني في مرحلة مهمة من تاريخ المغرب المعاصر، واستحضارا لحكمة وتبصر قائد عظيم وملك همام طبع مرحلة المملكة الشريفة بذكائه و عمله ورؤيته المستقبلية، التي دفعت بالمغرب الى مصاف الدول النامية التي يحسب لها ألف حساب في المنتظم الدولي، وبدبلوماسية راقية جعلت المغرب حاضرا في كل المحافل الدولية، وبحكمة انتصرت على اعداء الوحدة الترابية وحفظت للمغرب وحدته الترابية وعزته وكرامته.
و تشكل الذكرى الثالثة والعشرين لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عرش أسلافه الميامين، التي يحتفل بها الشعب المغربي ، مناسبة متجددة لتجسيد العروة الوثقى التي تربط المغاربة بالعرش العلوي المجيد، وفرصة للتوقف عند أهم الإنجازات التي حققتها المملكة تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك.
و تعد موعدا راسخا في قلوب المغاربة، الذي يرون فيه لحظة للتعبير عن التعلق والارتباط الوثيق بشخص جلالة الملك وعن أواصر الولاء الدائم، والبيعة الوثقى التي تربط على الدوام بين العرش والشعب.
ويعكس عيد العرش المجيد الرباط المتين القائم بين الشعب المغربي والأسرة العلوية المجيدة، وهي علاقة تعززت أوصالها بفعل النضال المشترك من أجل نيل الحرية والاستقلال، وتذكر بشكل لا لبس فيه بعظمة الأمة المغربية ومتانة مؤسساتها وثقة شعبها في مستقبل مزدهر بفضل ملكية تضمن استدامة واستمرارية الدولة.
ومنذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين ، قام جلالة الملك بإطلاق عدد من الأوراش السوسيو-اقتصادية، بالموازاة مع جملة من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي باشرها جلالته، استجابة لتطلعات شعبه الوفي وانتظاراته. ويشكل تخليد ذكرى عيد العرش إذن، مناسبة ملائمة لتسليط الضوء على الجهود المبذولة في هذا الإطار لاسيما في ما يتعلق باحترام كرامة المواطن ورفاهيته.
وأكد العديد من الملاحظين أن تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس مقاليد الحكم في 30 يوليوز 1999، بصم على عهد جديد سمته الأساسية تحقيق إنجازات ملموسة في مختلف المجالات السياسية والدبلوماسية والاجتماعية.
وساهمت الإصلاحات التي باشرها المغرب خلال العقدين الأخيرين بشكل واضح في وضع البلد في مرتبة أرفع في سلم الديموقراطية والحداثة والتنمية، وحولت المملكة إلى ورش مفتوح ضخم يسير على درب الازدهار والنمو على جميع الأصعدة.
وبفضل الرؤية المستنيرة لجلالة الملك، انخرط المغرب في دينامية قوية من الإصلاحات والتحديث التي تستهدف تأهيل الموارد البشرية وإعداد سياسات قطاعية تلامس التعليم والإدارة والعدالة والصناعة والطاقة والفلاحة إضافة إلى قطاعات أخرى.
وتندرج هذه الدينامية في إطار إرادة صاحب الجلالة في ضمان تنمية شاملة ومندمجة للمملكة ، وإرساء عدالة اجتماعية وتعزيز مكانة المغرب على الساحتين الإقليمية والدولية، وتكريس قيم الديمقراطية والحداثة، في تناغم مثالي مع أسس الهوية المغربية والقيم المؤسسة للدولة الوطنية.
و نجح المغرب، بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في تسريع وتيرة التخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا، الأمر الذي أسهم في خلق الظروف الملائمة للعودة إلى الحياة الطبيعية في كافة المجالات بعد فترة الحجر الصحي، وقد اختارت المملكة، للخروج من هذه الفترة، مقاربة مغربية خالصة، استثمرت فيها إمكاناتها الذاتية وقدراتها المؤسساتية؛ وهي المقاربة التي أثبتت نجاعتها وفعاليتها في ضمان أقصى درجات الحماية والوقاية، وإنعاش أداء الاقتصاد الوطني.
و واصل المغرب عملية التلقيح إيقانا منه بأنه السلاح الأكثر فعالية لمواجهة انتشار عدوى الفيروس،حيث أوصت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية باعتماد الجرعة الرابعة التذكيرية لكبار السن والأشخاص ذوي عوامل المراضة، وقد بات المغرب رائدا إقليميا وقاريا في ما يخص عدد الملقحين. فإلى حدود 26 يوليوز الجاري، بلغ عدد الملقحين بالجرعة الثالثة 6 ملايين و643 ألف و526 شخصا ، فيما ارتفع عدد الملقحين بالجرعة الثانية إلى 23 مليون و361 ألف و456 شخصا، مقابل 24 مليون و872 ألف و230 شخصا تلقوا الجرعة الأولى، فيما تلقى 21 ألف و891 شخصا الجرعة الرابعة.
و استثمر المغرب الأزمة الصحية وفترة الحجر الصحي لإطلاق إصلاحات تروم تصحيح أوجه التفاوت القائمة، والتغلب على بعض الاختلالات الهيكلية التي عرقلت أداء الاقتصاد الوطني في الماضي القريب.
وارتكز مخطط الانتعاش الاقتصادي خلال هاته المرحلة الدقيقة على عدة دعامات أساسية، لعل أبرزها إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، والذي يعد أبرز آليات إرساء الإنعاش الاقتصادي الهادفة إلى دعم الاقتصاد الوطني، وتشجيع القطاعات المنتجة، ومساعدة المقاولات على تحسين قدراتها الاستثمارية من أجل خلق الثروة والنهوض بالتشغيل وتوزيع المداخيل على الأسر.
كما تم إطلاق الورش الملكي الهام الخاص بتعميم الحماية الاجتماعية، باعتباره مشروعا مجتمعيا غير مسبوق يعبد الطريق لتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية وصيانة كرامة المواطنين، وكذا تحسين ظروف عيش الأشخاص الذين يعانون من الهشاشة ودمقرطة الولوج إلى الرعاية الصحية، في إطار سياسة القرب.
واعتبارا لانعكاسات الجائحة على ولوج الشباب إلى مصادر التمويل، بادر المغرب بإطلاق برنامجي “فرصة” و”انطلاقة”، تنفيذا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس المؤكدة على ضرورة إعطاء دفعة قوية للتمويل البنكي للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة. ويركز البرنامجان على تطوير إمكانات من لديهم الأفكار والدوافع اللازمة لإطلاق المشاريع المقاولاتية، وتعزيز الالتزام لصالح كل من لديه مشروع ولكن يفتقر إلى المهارات ورأس المال لتحقيقه.
ولا شك أن هذا الزخم الوقائي والاقتصادي المميز انعكس على باقي القطاعات الحيوية، لاسيما الثقافة والرياضة والسياحة، إذ يعكس قرار الحكومة بإعادة فتح الملاعب أمام الجماهير الرياضية نجاح المغرب في تدبير الأزمة الصحية المرتبطة بالجائحة. وقد أعطى هذا القرار نفسا جديدا للأندية الوطنية التي عانت بشدة من تأثيرات كوفيد 19، سيما وان الأندية الوطنية تعتمد بشكل كبير على مبيعات التذاكر.
من جانبها، وبعدما اضطلعت الثقافة بأدوار أساسية ومتواصلة في التخفيف النفسي والروحي من تبعات جائحة كورونا على المواطنين، شكلت فترة الجائحة فرصة سانحة لتسريع النهوض بالقطاع، من خلال، على الخصوص، دعم مهنيي قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية بمختلف فروعه.
وفي مجال السياحة، أعطت عملية “مرحبا”، التي تحظى برعاية خاصة من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نفسا جديدا للقطاع الذي عانى بشدة من تداعيات جائحة كوفيد-19، حيث تمكن سنويا ما يقارب 3 ملايين مواطن مغربي من الرجوع إلى أرض الوطن وزيارة أهاليهم.
كما أسهم التخفيف من الإجراءات الصحية الرامية للحد من انتشار الفيروس، سواء تعلق الأمر بفتح الحدود أو إلغاء إجبارية فحص (PCR)، في عودة مكثفة للمغاربة المقيمين بالخارج وكذا وصول أول فوج من السياح الأجانب، فاتحة بذلك نافذة للتفاؤل بعد الأرقام المشجعة التي كشفت عن تسجيل مداخيل سياحية هامة، زيادة على ذلك، أطلق المغرب مخططا استعجاليا لدعم القطاع السياحي بقيمة تبلغ 214 مليون دولار، والحفاظ على مناصب الشغل وتجنب إفلاس العشرات من شركات النقل السياحي وأصحاب الفنادق والمطاعم المصنفة وغيرها.
ومن شأن هذه الإصلاحات والمبادرات الرائدة تعزيز تنافسية المقاولات، وتحقيق تكافؤ الفرص، وتسهيل ولوج المستثمرين إلى الأسواق، وخلق فرص الشغل، وتعزيز دينامية القطاع الخاص، وزيادة وتيرة تكوين الرأسمال البشري، الأمر الذي سيمكن مستقبلا من التجاوز النهائي لمخلفات الحجر الصحي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.