دخلت الودادية الحسنية للقضاة، على خط تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مشددين على أنها” إساة بالغة لحقيقة المجهودات الجبّارة التي ما فتئت تبذلها السلطة القضائية المغربية بكلفة وثبات ونجاعة وفعالية من أجل تحقيق الأمن القضائي وتعزيز ثقة المواطنين والمواطنات بعدالة بلادهم، وإيمانا منها بأن العدالة في أي بلد تعتبر عمادا للاستقرار والأمن ورافدا من روافد التنمية ومقياسا حقيقيا للحضارة والديمقراطية.
وأوضحت الودادية، حول تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، حول “العدالة وحرية التجمعات والصحافة” في المغرب، أنه ” استنادا على ما وصفه بتقارير سلبية تم التوصل بها حول صدور قرار جنائي ابتدائي بإدانة صحفي يدعى “سليمان الريسوني” بعقوبة حبسية يدعي انتهاك حقه في المحاكمة العادلة على خلاف ما تفرضه مقتضيات النظام القضائي المغربي، وكذا متابعة “الولايات المتحدة الأمريكية” لقضايا أخرى مماثلة من بينها، قضية المدعو عمر الراضي..
وبناء على الأهداف المنوطة بالودادية الحسنية للقضاة كجمعية قضائية مهنية مواطنة بمقتضى قانونها الأساسي ونظامها الداخلي، والمحددة أساسا في السهر على احترام كرامة القضاة وضمان حقوقهم ومصالحهم المهنية والدفاع عن كل ما يمس بها، وصيانة حرمة القضاء وتعزيز استقلالية السلطة القضائية والدفاع عنها وحمايتها من كل ما قد ينال من سمعتها وكرامتها ضمانا لحقوق الأشخاص وحرياتهم.
وقرر المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة ، ” إدانته التامة لفحوى ما ورد بالتصريح الذي لا يسيء فحسب إلى السلطة القضائية المغربية ويمس باستقلاليتها المكفولة لها بمقتضى الدستور والقانون والمواثيق الدولية لاستقلال السلطة القضائية، بل يطال شعور وشرف وكرامة جميع قضاة وقاضيات المملكة المغربية قاطبة وجميع العاملين والمشتغلين بحقل العدالة المغربية، ويمس في العمق بثقة المواطنين والمواطنات في عدالة بلادهم، على اعتبار أن استقلالية القضاء ليست امتيازا أوتشريفا للقاضي، بل واجب عليه وحق للمواطن، ثانيا، استغرابة الشديد لعدم استحضار التصريح الأمريكي لبلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء المنشور للعلن بتاريخ 2021/07/12 من ضمن زمرة التقارير المتوصل بها من طرف وزارة الخارجية الأمريكية، والذي قدّم من خلاله الوكيل العام للملك للرأي العام في إبانه شروحات وتوضيحات وافية ودقيقة عن حقيقة مجريات محاكمة المواطن سليمان الريسوني المتابع من أجل جرائم الحق العام لا علاقة لها إطلاقا بعمله الصحفي،وبيّن كيف وفرت له جميع ضمانات المحاكمة العدالة وفق ما ورد بتفصيل في البلاغ، ودحض مجموعة من المغالطات والأراجيف التي روّج لها بسوء نية من طرف بعض الجهات والهيئات المسمومة والمعلومة التي تتعامل مع حقوق الإنسان بمنطق فئوي وفي قضايا بعينها خدمة لأجندات مفضوحة فارغة المحتوى وعديمة الجدوى،وتفضل عدم المواجهة والترافع خارج قاعات المحاكم، مستفيدة من واجب التحفظ الذي يقيد القضاة عن الرّدّ والجواب عن أباطيلهم وأكاذيبهم، خارج مزاولتهم لمهامهم، وليس لها من همّ سوى الاجتهاد في تشويه صورة القضاء المغربي والتنكيل به وتبخيس وتسفيه عمله، ومحاولة المس بالوضع الحقوقي في المغرب والتجني على مكتسباته ومنجزاته المعترف بها إقليميا وعالميا وعلى صعيد جميع المستويات لاينكرها إلا جاحد، ثالثا، تأكيده التام على أن استقلالية وسيادة القضاء المغربي، على غرار الأنظمة القضائية المقارنة، تعتبر خطا أحمر لا يجب تجاوزه من طرف أي جهة كانت، وذلك وفق ما يكفله له الدستور المغربي، والمواثيق الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، نذكر من بينها المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من طرف مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في ميلانو من 26 غشت إلى 6 دجنبر 1985 كما اعتمدت ونشرت على الملإ بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة الأول رقم 32/40 بتاريخ 29 نونبر 1985 والثاني رقم 40/146 المؤرخ في 13 دجنبر 1985، والذي ورد في فقرته الأولى المتعلقة بـ”استقلالية السلطة القضائية” التنصيص الصريح على ما يلي: تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية، و تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب، و تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون.
ولا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، في الإجراءات القضائية..
وعلى سبيل المثال فقد تابعة بدورها الودادية الحسنية للقضاة باهتمام بالغ استنادا على تقارير ومعطيات منشورة بشبكة الإنترنيت، كيف أطلقت السلطات الأمريكية سراح 3 رجال في مدينة باتيمور، بعد قضائهم 36عاما داخل السجن، حيث وفقًا لتقرير بثته إحدى القنوات الإخبارية فإن الأمريكيين الثلاثة اتُّهموا خطأ بقتل طالب داخل ساحة مدرسته بدافع السرقة بعد إدانتهم في عام 1983، وكيف لفت التقرير المنشور إلى أن جمعية “إينوسنس بروجيكت ــ مشروع البراءة” والتي تكافح لإصلاح وتعديل الأخطاء القضائية لم تستسلم، وحصلت على اعترف من الشهود بأنهم تعرضوا لضغوط من الشرطة وقت الجريمة، فقامت الجمعية بالتقدم بطلب لإعادة المحاكمة والحصول على البراءة للمظاليم الثلاث، ليحصوا على براءتهم، وتتعهد محكمة بالتيمور بتقديم تعويضات كبيرة لهم.
وأفاد البلاغ، أنه و مع ذلك لم يكن من المتصور على الإطلاق أن تعلق “الودادية الحسنية للقضاة” على قضية من صميم اختصاص قضاء مستقل لدولة أخرى ذات سيادة، فلكل بلد شأن يغنيه، والحقيقة لا ترى من زاوية واحدة، رابعا، إعرابه عن قوة ومتانة العلاقات القضائية المغربية الأمريكية الضاربة في التاريخ والمتطورة، قدم وتطور العلاقات الدبلوماسية نفسها بين الدولتين، عندما كانت المملكة المغربية أول من اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777، وكذا طبيعة وحجم التعاون القضائي المهم بين البلدين، والذي أثمر على سبيل المثال عن توقيع اتفاقية التعاون القضائي في الميدان الجنائي الموقعة بالرباط في 10 محرم 1404 (17 أكتوبر 1983) بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، خامسا، وضع مكتبه المركزي بالرباط برئيسه وكافة أعضائه رهن إشارة المسؤولين عن التواصل بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط، للتوصل وإجلاء أي لبس أو غموض وتقديم أية توضيحات ممكنة هول ما قد يثير اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص العدالة في المغرب، وحدود ما يسمح به الدستور والقانون، سادسا، تذكيره باستعداده الدائم والمتواصل طبقا لأهداف للودادية الحسنية للقضاة كجمعية قضائية مهنية مواطنة، للتصدي لكل ما من شأنه محاولة النيل من سمعة القضاة وشرفهم وكرامتهم وهيبة ووقار واستقلالية السلطة القضائية التي يمثلونها بكل فخر واعتزاز خدمة للمواطن والوطن،وفق ما يحب ويرضى ويحرص عاهل البلاد جلالة الملك المفدّى محمد السادس نصره الله وأيده لشعبه الأبيّ ورعاياه الأوفياء.
من جهتها أكدت المندوبية الوزارية لحقوق الانسان، أن تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بشأن اثنين من المشتبه بهم، حكم على الأول، ابتدائيا، بالسجن لمدة خمس سنوات في قضية حق عام، فيما يوجد الثاني في طور المحاكمة، يستند إلى معلومات “منحازة” صادرة حصريا عن داعمي المتهمين.
وقالت المندوبية في بلاغ، صدر عقب علمها بمضمون هذا التصريح الذي نشر امس الاثنين “هذه المعلومات حجبت عن عمد وجهة نظر المشتكين ودفاعهم، وذهبت إلى حد إنكار وضعهم كضحية وحقهم المعترف به عالميا في تقديم شكوى”، وأضافت المندوبية أنها لاحظت بذهول أن تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يشير فقط إلى مزاعم الشخص المدان، مع التركيز على وضعه المهني ، وإلى مزاعم “انتهاكات المعايير المتعلقة بمحاكمة عادلة “، في حين أكد بلاغ للنيابة العامة المختصة الصادر في 12 يوليوز 2021 بوضوح الطابع العادل للمحاكمة المذكورة.
وشددت المندوبية على أن المغرب المتشبث باحترام الحقوق الأساسية لجميع المتقاضين، مهما كان وضعهم، وبالتالي فإن استقلال القضاء، الذي كرسه دستور 2011، والذي افرزته الإصلاحات الجوهرية التي باشرتها المملكة منذ أكثر من عقدين، هو الضامن لاحترام هذه الحقوق الأساسية”، وخلصت المندوبية إلى أن “المغرب يظل متشبثا جدا بتعزيز قيم الحريات الفردية والجماعية، لا سيما حريات التعبير و الجمعيات، التي ما فتئت تتطور، في إطار مجتمع مزدهر ومتسامح وشامل ينبذ التعسف والظلم والعنف “.
و أعرب الدبلوماسي السابق محمد صالح التامك عن قلقه العميق بشأن التصريح الذي أدلى به الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص العدالة وحرية الصحافة بالمغرب، معبرا عن استيائه وصدمته الكبيرين جراء ذلك “التصريح المهين”.
وقال التامك،: “لا يسعني بصفتي مواطنا مغربيا ودبلوماسيا سابقا إلا أن أعرب عن استيائي وصدمتي الكبيرين جراء التصريح المهين الذي أدلى به الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص العدالة المغربية وحرية التعبير، وما كان لهذا التصريح من مس بكرامتي وبكرامة المغاربة قاطبة”.
وتساءل التامك “بأي حق تجرؤ على حشر أنفك في قضية جنائية مغربية صرفة رائجة أمام القضاء تخص مواطنا مغربيا لقيت عناء في تهجي إسمه، وتذهب إلى حد إعطاء الموعظة والدروس للمغاربة؟”، مضيفا “كيف تغتر فتسمح لنفسك بالحكم على ما هو مطابق أو مناف للدستور المغربي؟ وكيف تجرؤ على التمييز بين المغاربة تعلي من شأن بعضهم وتنتقص من قيمة آخرين كما هو الشأن بالنسبة للضحيتين آدم وحفصة؟”، وتابع: “هل الأمريكيون الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي ذكورا كانوا أم إناثا، هم أعلى شأنا وأكثر آدمية من نظرائهم المغاربة؟ لماذا إيلاء كل هذا الاهتمام لهاتين القضيتين اللتين خيض فيهما طويلا داخل المحاكم وفي الإعلام؟ و كم كتب هذان الصحفيان من مقالات وأجريا من تحريات طالتها يد الرقابة؟ وما السر في حرص وزارة الخارجية على عدم إثارة ما يحدث حاليا في الجزائر أو ما حصل في جنوب إفريقيا خلال الآونة الأخيرة؟”.