ستون سنة كافية لتشكل تاريخا يمكن تدوينه في عشرات المجلدات، وبالتالي يحتاج إلى قراءة متأنية لاستخلاص دروسه وعبره. الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب له تاريخ طويل بل هو جزء من تاريخ وذاكرة المغرب، إذا اعتبرنا أن لحظة التأسيس هي 1959 وليس 1975. هناك خلاف حول التاريخ والميلاد والأسس.
لكن لا يهم، بعد أن احتفل الاتحاديون بالذكرى الستين لتأسيس حزبهم عقب انشقاق عن حزب الاستقلال. غير أنه ينبغي أن نشير إلى أن الاحتفالية من حيث الكم جيدة، لكنها من حيث الكيف لا تمثل الاتحاد الاشتراكي، بعد أن رفض القادة التاريخيون المشاركة، وطيبوا خاطر الكاتب الأول إدريس لشكر بمجاملات الزيارة.
الاتحاديون يريدون حزبا اشتراكيا كبيرا، ولشكر يريد حزبا اشتراكيا صغيرا، حتى يتمكن من التحكم فيه. هذا خطأ إدريس لشكر. فالأفضل أن تكون بوابا في حزب كبير على أن تكون قائدا في حزب صغير. عندما تكون حارس عمارة الحزب الكبير يحسب لك الجميع ألف حساب، وعندما تكون قائدا لحزب صغير لن يوليك أحد أهمية.
ما قلناه له مصاديق على أرض الواقع. أثناء المفاوضات حول التعديل الحكومي وقبلها الدخول إلى حكومة العثماني الأولى، كان الاتحاد ينتظر من يأخذ بيده بينما الاتحاد ظل قائدا على مر التاريخ، ولا عيب في أن يقول المرء إن هناك من تسبب في هذا المنحدر الخطير، الذي وصله حزب القوات الشعبية، حزب المهدي وعمر وعبد الرحيم، الذي لم يعد سوى أداة لوصول البعض إلى مواقع اجتماعية معينة.
إذا أراد إدريس لشكر أن ينهي مساره السياسي بما تقتضيه الرجولة السياسية، فعليه أن يعقد مؤتمرا استثنائيا يكون مدخلا لعودة كل الاتحاديين الغاضبين على القيادة الحالية لا يستثنى منه أحد ويسلم الحزب لشخصية جامعة، وما يقوله عن أنه يريد أن يسلم مشعل المستقبل للأجيال الجديدة لكن يريد أن يسلمهم حزبا قويا هو مجرد وهم وخديعة قصد الاستمرار.
المصالحة ظهر أنها مجرد قصة غير واقعية، لا يمكن تنفيذها في ظل هيمنة من كان سببا في شتات حزب القوات الشعبية، ولهذا لم تتورط القيادة التاريخية، ولم تقدم شهادة زور للزعيم ولهذا رفض كل القادة الحضور لاحتفالية مسرح محمد الخامس، وحتى قادة من الجيل الثاني حضروا في إطار المجاملة ثم انسحبوا بهدوء من غير أن يعطوا للشكر شيكا على بياض.
الاتحاد الاشتراكي حزب كبير بما هو أرضية مشتركة لكل حاملي الفكرة الاتحادية كما ناضل من أجلها أوائل القوم، لكن المصالحة بمنطق القبيلة لن يشكل مدخلا لنهوض سياسي جديد، ولن يكون مجديا بل سيكون رصاصة الرحمة التي يمكن أن يطلقها من يريد على حزب القوات الشعبية.
الاحتفال لن يؤسس لفعل سياسي كبير حتى لو كان ضخما ومكلفا ماليا فالاتحاد الاشتراكي كبير تاريخيا ولكن بقائد صغير، ويبقى بناء الأداة الحزبية وفق منظور جديد هو الحل.