طالب مصطفى فضلي بروفسور جراحة الدماغ و الأعصاب، بإشراك الأطباء في تعديل وصياغة القوانين التي تتعلق بمممارسة مهنة الطب في المغرب، وقدم مجموعة من المقترحات لتجاوز الخلافات حول استقدام أطباء أجانب كما رصد بعض الخلل في المنظومة الصحية في المغرب من خلال الحوار التالي.
تجندت الحكومة من أجل تنزيل قرار تعميم التغطية الصحية مع ما يرافق هذه الخطوة من تعديلات تهم الجانب التشريعي، وتم في هذا الإطار إعداد مشروع القانون 33.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون 131.13المتعلق بمزاولة مهنة الطب، فما هي أبرز الملاحظات التي وقفتم عليها؟
أعتقد أنه كان من المفروض اليوم على وزارة الصحة أن تعمل على تقييم هذا القانون الذي دخل حيز النفاذ منذ سنة 2015 بإشراك كل الفاعلين والمعنيين بهذا القانون والإنصات لملاحظاتهم واقتراحاتهم للوقوف حقيقة على الاشكالات والصعوبات التي تحد من فعاليته وجعلته غير قادر على الحد من أعطاب المنظومة الصحية، وبالتالي مراجعة وتعديل القانون 131.13المتعلق بمزاولة مهنة الطب بما يضمن مساهمة هذا القطاع الحيوي في تنزيل الأوراش التنموية والاجتماعية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك سواء تعلق الأمر بالنموذج التنموي الجديد أوالحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية الإجبارية، وليس فقط الاكتفاء بهذه المبادرات الحكومية التجزيئية والانتقائية وتغيير وتتميم بعض مقتضيات هذا القانون.
الملاحظات الأخرى تتعلق بانفراد وزارة الصحة بإعداد مشروع القانون، وبتوقيت إحالة هذا الأخير على البرلمان والذي يتزامن مع انتهاء الولاية التشريعية الحالية، وبسعي الحكومة إلى تمريره بالسرعة القصوى.
هذه الملاحظات تؤكد على أن اعتماد هذا المشروع بالصيغة الحالية ستترتب عنه تبعات، فأين تكمن تجلياتها؟
أولا، وبدون مزايدات، واستغلال البعض لضرورة التسريع بتنزيل المشاريع والأوراش الإصلاحية في قطاع الصحة عامة والمهن الطبية على وجه الخصوص من أجل إقرار قوانين سيثير تطبيقها العديد من الإشكالات، لا بد من تجديد التأكيد على انخراط كل الأطباء والأطر الصحية في مختلف المجالات والتخصصات في المبادرات الملكية السامية وقد عبرنا عن هذا الأمر في العديد من المناسبات.
بالنسبة لاعتماد هذا المشروع قانون بصيغته الحالية فإننا نعتبر أن هذا الأخير يفتح مصراعيه للأطباء الأجانب دون قيود، وهذا ما يشكل خطرا على الصحة العامة للمواطنين، وضررا بالاقتصاد الوطني، لذا فإن الإنفتاح على الأطباء الأجانب دون دراسة ملفاتهم دراسة دقيقة جدا لمعرفة مسارهم المهني ودول تكوينهم… ودون التأكد من صحة الشهادة وقيمتها العلمية والقانونية من طرف المجلس الجهوي للهيئة للمختص، ودون اشتراط خبرة مهنية لا تقل عن 10 سنوات من الممارسة الفعلية لمهنة الطب بالخارج يتعارض ويتناقض مع الغاية من هذا القانون، ومع التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد على استقطاب الكفاءات وذوي الخبرات العالية يالتي مكنها أن تكون قيمة مضافة.
وفي نفس الإطار، فعدم إخضاع الأطباء الأجانب للهيئة الوطنية للأطباء من شأنه أن يخلق فوضى في ممارسة مهنة الطب، بالإضافة إلى كون ذلك يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تنص على المساواة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق، والذي يرتبط بتوصيات العديد من الهيئات والمؤسسات الدستورية وكذا التقارير الصادرة عن المنظمات الحكومية والغير الحكومية والتي تعتبر أن غياب العدالة المجالية في البنيات التحتية الصحية والأطر الطبية والموارد البشرية عامة، هي أحد أسباب أعطاب المنظومة الصحية ببلادنا وأحد معيقات ولوج المواطنات والمواطنين للخدمات الصحية، وبالتالي فإن عدم التنصيص على المقاربة المجالية في هذا القانون سيكرس إشكالية غياب العدالة والمساواة بين الجهات وبالتالي بين المواطنين، وهنا أتساءل عن القيمة المضافة لاستقطاب الأطباء من الخارج إذا كانت ستشغل في المناطق التي لا تعاني من الخصاص في الأطر الطبية!!!
ما هي مقترحاتكم في هذا الصدد؟
إننا نؤكد على ضرورة تجويد المشروع القانون موضوع المصادقة أمام البرلمان بما يضمن التنزيل السليم للتوجيهات الملكية السامية، ومن هذا المنطلق فإننا نقترح مجموعة من التعديلات لتجاوز الإشكالات السالفة الذكر، فعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد اقترحنا اشتراط فتح العيادات والمصحات الطبية الخاصة التابعة للأطباء الأجانب، بما يتناسب والخريطة الصحية الوطنية.
كما اقترحنا اشتراط القيد في جداول هيئة طبية أو مؤسسة أجنبية مماثلة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، بالإضافة إلى ضرورة إشراك المجالس الجهوية للهيئة المختصة واعتبارها الجهة المخول لها تسليم الإذن المنصوص عليه في المادة 31 أعلاه.
وإذا كان يستوفي شرط مدة مزاولة المهنة التي لا تقل عن 10 سنوات ، سواءً كان قد زاول أو لا يزال يزاول المهنة بالخارج ، فيجب على المجلس الجهوي للهيئة المختص أن يتأكد من صحة الدبلوم المدلى به و من قيمته العلمية، كما طالبنا بضرور إثبات ما يفيد إتقانه لإحدى اللغتين الرسميتين للمملكة : العربية أو الأمازيغية.
ومن أجل تيسير عملية الانفتاح على الكفاءات الطبية اقترحنا إعفاء الأطباء المتخصصون اللذين يزاولون أو سبق لهم أن زاولوا المهنة الطبية بالخارج و المقيدون في جداول هيئة أجنبية أو مؤسسة أجنبية مماثلة لمدة لا تقل عن 10 سنوات من شرط الاعتراف بمعادلة الشهادة او الدبلوم
هل يكمن حل المعضلة الصحية في استقدام أطباء أجانب للعمل في المغرب، أم أنه يجب معالجة إشكاليات أخرى بالتوازي لتجويد المنظومة الصحية؟
مما لا شك فيه أن اللجوء إلى خيار استقدام أطباء أجانب للعمل في المغرب لن يحل إشكالية قلة الموارد البشرية الصحية عامة والأطباء على وجه الخصوص، ونتأسف للجوء وزارة الصحة للحلول والبدائل السهلة، واللجوء إلى هذا الخيار في الوقت الذي كنا ننتظر إعمال مقاربة تشاركية شمولية، واتخاذ إجراءات تشريعية وتنظيمية ترمي إلى إرساء آليات تحفيزية في القطاع الصحي قصد الحد من ظاهرة هجرة الكفاءات الوطنية إلى الخارج التي اتسعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وكذا من أجل تحفيز وتشجيع الأطر الطبية على الاشتغال داخل أرض الوطن، والعمل في المناطق النائية والبعيدة عن المركز خاصة تلك التي تعاني من الخصاص الكبير في الموارد البشرية الصحية.
كما نعتقد أن مواجة التحديات التي تواجهها المنظومة الصحية في الجانب المتعلق بضعف وقلة الموارد البشرية لا يقتصر على خيار الانفتاح على الكفاءات الأجنبية فقط، بقدر ما يتطلب الأمر الرفع من المناصب المالية المخصصة للقطاع الصحي، والاستثمار في الرأس المال البشري الوطني، وتوسيع وتعميم إحداث جامعات وكليات الطب، والمستشفيات الجامعية، والمعاهد معتمدة للمهن الشبه الطبية وبيوطبية، بجميع جهات المملكة، والاهتمام بالتعليم العالي في المجال الصحي، وفتح المجال أمام ولوج فئة أكبر من الطلبة المغاربة لكليات الطب بمختلف تخصصاتها، إلى جانب إجراءات عديدة أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
هناك مطالب بتطوير الشراكة بين القطاع العام والخاص، فإلى أي حد استطاعت الإجابة عن الاحتياجات الصحية لفئات من المواطنين، وما هي الصيغ التي يمكن اعتمادها في هذا الباب؟
منذ سنين ونحن نطالب بضرورة تفعيل وتعزيزالشراكة بين القطاعين العام والخاص، من أجل توسيع البنيات التحتية الصحية وكذا سد الخصاص في المراكز والمؤسسات الاستشفائية بمختلف مناطق المملكة.
إلا أن قطاع الصحة لازال يعاني من ضعف هذه الشراكة بالرغم من إقرار القانون رقم 86.12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبالرغم أيضا من التنصيص على هذا الأمر في القانون رقم 131.13، مما يحد من تطوير العرض الصحي ببلادنا بحيث لا يتم الاستفادة من الأطباء والأساتذة العاملين بالقطاع الخاص والذي تتجاوز نسبتهم 70%
وقد عبرنا في مناسبات عدة عن استعدادنا الانخراط بكل مسؤولية ووطنية من أجل الأوراش الإصلاحية الرامية لتأهيل وتطوير المنظومة الصحية ببلادنا.
تم التأكيد على أن مهنيي الصحة ستسري عليهم مقتضيات خاصة بعيدا عن قانون الوظيفة العمومية باعتماد وظيفة صحية عمومية، ما هي أبرز ملامح هذا القانون، وهل تم اعتماد مقاربة تشاركية في إعداده، وما هي القيمة المضافة التي قد يشكلها ؟
نحن نثمن هذه المبادرة التشريعية التي ترمي إلى إضافة مهنيي الصحة العاملين بالقطاع العام إلى الفئات التي لا تخضع لأحكام النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، و إعداد نظام أساسي خاص بهم (على غرار رجال القضاء والعسكريين وهيئة المتصرفين بوزارة الداخلية) يحدد واجباتهم والتزاماتهم المهنية والحقوق التي سيستفدون منها، بالنظر لخصوصية هذه الفئة التي تلعب دورا مهما وأساسيا في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية الإجبارية، وفي تعزيز العرض الصحي وتحسينه.
كما نعتبر أن هذا المشروع قانون من شأنه أن يساهم في تأهيل وتحسين ظروف مهنيي الصحة بالقطاع العام الذين انخرطوا بكل مسؤولية ووطنية، وكانو في الصفوف الأمامية لمواجهة فيروس كورونا المستجد.