ما وارته الحكومة أفصح عنه برلماني التجمع الوطني للأحرار (حزب رئيس الحكومة)، الذي قال إن الحكومة ليس من شأنها ومن مهامها مناقشة ارتفاع الأسعار، وأن ما تقوم به مجرد “خير منها”، وأن جلالة الملك على علم بذلك، وأنه موافق على برنامج الحكومة. رد المعارضة كان مركزا في هذه النقطة، أن جلالة الملك هو ملك كل المغاربة، سواء كانوا في الأغلبية أو في المعارضة، وأن برنامج الحكومة صادق عليه البرلمان.
دستوريا فإن رئيس الحكومة المعين هو من يقترح أعضاء الحكومة وأن جلالة الملك هو من يمتلك سلطة التعيين، والبرلمان هو الذي يمتلك سلطة التنصيب، حيث لا تعتبر الحكومة قائمة قبل تقديم التصريح الحكومي من قبل رئيسها ومناقشته والمصادقة عليه، وبالتالي فإن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، والسلط التي حددها الدستور للملك واضحة، ومن الغرائب أن رئيس الحكومة الأسبق هو أيضا ظل يتذرع بعدم منازعة الاختصاصات.
عدم تحمل المسؤولية ومحاولة إقحام “الملك” في موضوع ليس من اختصاصاته الدستورية هو هروب من المسؤولية، لكن فيه خطورة كبيرة هو إدخال الرموز في الصراعات السياسية، وهذا ما تفادى دستور 2011 الوقوع فيه، حيث ينبغي أن يبقى الملك هو رمزًا للأمة وعنصر وحدتها الأول، غير أن “الحكومة الفاشلة” أرادت أن تجعل منه موضوع مساءلة وأساسا لما دخلت مرحلة الفشل.
مع كامل الأسف الشديد، هذه الحكومة أو من يمثلها أو من يدافع عنها، تمتلك صلاحيات دستورية كبيرة، فهي تعين في حوالي ألف ومائة منصب سامٍ، يتم توزيعها بين أحزاب الأغلبية، وهي كعكة سمينة ودسمة، وهنا لا تعود للملك. والحكومة هي التي تمتلك أغلبية مطلقة بالبرلمان وبالتالي تمرر ما تشاء من قوانين، بل إنها مررت قانون المالية، الذي يخدم أهداف “تجمع المصالح الكبرى”. وفي هذا لا تعود للملك.
هل قررت الحكومة تخفيض ضرائب الاستيراد على المحروقات واعترض عليها الملك مثلا؟ هل اتخذت أي إجراء وقال لها أحد لا؟ بل إن هذه الحكومة والحكومة السابقة بقيت “مربعة يديها” أمام زحف جائحة كورونا حتى أيقظها جلالة الملك من غفوتها وذكرها بصلاحياتها، واتخذ ما يلزم من إجراءات وفق الصلاحيات التي يخولها له الدستور.
عند التعيينات تتحمل الحكومة مسؤوليتها وتتمسك بكامل صلاحياتها، وعند صياغة قانون المالية، الذي يخدم أهداف “المترفين”، تتمسك الحكومة بصلاحياتها بما في ذلك استعمال الفصل 76 من الدستور وهو بمثابة فيتو في وجه المعارضة، وعندما تقرر رصد اعتمادات غليظة لبعض الوزارات وعندما تقوم بصرف الملايير، تتمسك بصلاحياتها الدستورية، وعندما يتعلق الأمر بالزيادة في أسعار المحروقات وغيرها تتخلى عن صلاحياتها وتحاول إقحام “الملك”.
ينبغي توضيح الأمور، فلو كان جلالة الملك متمسكا بالصلاحيات لورد ذلك في دستور 2011 ولكن تنازل عن كثير منها لفائدة السياسيين والأحزاب والمنتخبين، وبالتالي ما على الحكومة سوى تحمل مسؤوليتها.