يشهد المغرب في أكتوبر من كل عام بداية الدخول السياسي، وهي مرحلة حاسمة تحمل في طياتها تطلعات جديدة وترقبًا لمستقبل المشهد السياسي الوطني، تتجدد فيها النقاشات حول أبرز القضايا التي تواجه البلاد، ويتحول البرلمان إلى منصة لتدارس الملفات الكبرى التي تؤثر على المواطن المغربي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تفرض نفسها بقوة.
ومع اقتراب شهر أكتوبر، يبدأ المشهد السياسي في المغرب في التحرك بوتيرة متسارعة، استعدادًا للدخول السياسي الجديد الذي يتزامن مع افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان في الجمعة الثانية من الشهر.
هذا، وتتصاعد التوقعات داخل الأوساط السياسية حول إمكانية إجراء تعديل حكومي وشيك، خاصة مع تزايد المطالب بضرورة تعزيز فعالية الحكومة وتطوير أدائها لمواجهة التحديات القادمة.
وتشير مصادر من داخل التحالف الحكومي إلى أن هذا التعديل قد يشمل إعادة هيكلة لبعض الوزارات، ومن بينها احتمال فصل وزارة التعليم عن الرياضة، وذلك تحضيرًا لاستضافة المغرب لنهائيات كأس العالم 2030.
على الجانب الاجتماعي، يأتي إصلاح نظام التقاعد كأحد الأولويات الكبرى للحكومة خلال هذه الفترة، خاصة مع التحديات المالية التي تواجه صناديق التقاعد. وتسعى الحكومة، عبر مشاورات مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، إلى إيجاد حلول تضمن استدامة هذه الصناديق وحماية حقوق الأجيال القادمة.
وفي سياق آخر، تستعد الحكومة لتمرير مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب، بعد إدراجه ضمن أولويات الجولة الجديدة للحوار الاجتماعي. يأتي ذلك في إطار الجهود لتعزيز الاستقرار الاجتماعي وتنظيم هذا الحق بما يضمن التوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل.
من جهة أخرى، تظل مسألة الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين أحد التحديات الرئيسية، حيث أكدت المذكرة التوجيهية لرئيس الحكومة حول إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025 أن الحكومة ستواصل دعم السلع والخدمات الأساسية، بما في ذلك غاز البوتان، والسكر المكرر، والدقيق الوطني للقمح اللين، بتخصيص 16,5 مليار درهم لصندوق المقاصة.
الحكومة أمام تحديات التشغيل والجفاف
تواجه حكومة عزيز أخنوش تحديات متعددة ومعقدة تزامنا مع الدخول السياسي، على الصعيد الاقتصادي، يستمر تأثير التضخم العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود في الضغط على الاقتصاد الوطني.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لا يزال المغرب يواجه مشاكل البطالة، خصوصًا بين الشباب، وهو ما يستدعي من الحكومة تكثيف جهودها لخلق فرص عمل وتحسين البيئة الاستثمارية.
هذا وسبق أن رسمت المندوبية السامية للتخطيط صورة سوداء عن مستوى التشغيل بالمغرب، حيث بلغ معدل البطالة 13,1 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2024.
وأفادت المندوبية، في مذكرتها الإخبارية الأخيرة حول وضعية سوق الشغل، أن معدل البطالة ارتفع بـ0,7 نقطة، بين الفصل الثاني من سنة 2023 والفصل الثاني من سنة 2024، منتقلا من 12,4 في المائة إلى 13,1 في المائة.
وذكرت المندوبية أن معدل البطالة انتقل من 16,3 في المائة إلى16,7 في المائة بالوسط الحضري (زائد 0,4 نقطة)، ومن 5,7 في المائة إلى 6,7 في المائة بالوسط القروي (زائد 1 نقطة)، مبرزة أن هذا المعدل سجل كذلك، ارتفاعا بـ0,7 نقطة في صفوف النساء والرجال، منتقلا، على التوالي، من 17 في المائة إلى 17,7 في المائة، ومن 11 في المائة إلى 11,7 في المائة.
هذا وارتفع عدد العاطلين بـ 90.000 شخص، ما بين الفصل الثاني من سنة 2023 والفصل ذاته من سنة 2024، منتقلا من 1.543.000 إلى 1.633.000 عاطل، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 6 في المائة، زائد 48.000 بالوسط الحضري و42.000 بالوسط القروي.
وأوردت المندوبية أن معدل البطالة سجل ارتفاعا بـ 2,5 نقطة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، منتقلا من 33,6 في المائة إلى 36,1 في المائة، وبـ1,6 نقطة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، منتقلا من 19,8 في المائة إلى 21,4 في المائة، وبـ 0,1 نقطة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 سنة، منتقلا من 7,2 في المائة إلى 7,3 في المائة، وبـ 0,1 نقطة في صفوف الأشخاص البالغين 45 سنة وأكثر، منتقلا من 3,6 في المائة إلى 3,7 في المائة.
وسجل معدل البطالة في صفوف الأشخاص الحاصلين على شهادة ارتفاعا بـ 0,2 نقطة، منتقلا من 19,2 في المائة إلى 19,4 في المائة، وهذا الارتفاع كان أكثر حدة في صفوف الحاصلين على شهادات الثانوي التأهيلي (زائد 3,2 نقطة)، حيث انتقل إلى 26,1 في المائة.
وعلاقة بالموضوع، قالت فاطمة التامني برلمانية عن فيدرالية اليسار، في تصريح لصحيفة “النهار المغربية” إن الحكومة خلقت ثورة في إنتاج البطالة، وإنتاج مليوني شاب خارج المدرسة وخارج الشغل، مبرزة أن الحكومة تتفنن في انتاج الخطاب الذي لا يجد أثره عند عموم الشعب المغربي.
وتساءلت البرلمانية، عن ماذا انتجت الحكومة في قرابة ثلاث سنوات من عملها، مشددة أن نسبة البطالة في المغرب وصلت إلى مستويات قياسية في عهد حكومة أخنوش.
ولفتت المتحدثة، أن تصريحات رئيس الحكومة عن تشجيع دينامية الاستثمار والنهوض بدينامية الشغل، لا تجد طريقها للشباب، مؤكدة أن سياسيات الحكومة في هذا المجال تنتج فقط البطالة.
وشددت المتحدثة، أن رؤية الحكومة عن الاستثمار العمومي لا تحقق العدالة المجالية، مشددة أن هناك العديد من الجهات تعاني من ضعف الاستثمار، وهذا ما يفسر ارتفاع البطالة بها بشكل مقلق وغير مسبوق.
بدورها، اعتبرت نادية التهامي النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، أن حكومة عزيز أخنوش هي أول حكومة وصلت في ولايتها نسبة البطالة إلى هذا الرقم المقلق والمخيف.
وتنتقد المعارضة الحكومة بشدة، حيث تعتير بأن وزرائها مرتبطين بصفقات بملايين الدراهم من الأموال العمومية يتم الاستفادة منها في الصفقات العمومية ولأهداف شخصية.
في هذا السياق، أفادت التامني، أنه يجب مكافحة الفساد، باعتبار أن الريع والاحتكار من بين أبرز العراقيل التي تحد ولا تشجع المستثمر للتفكير في ضح أمواله بالمغرب.
وذكرت النائبة البرلمانية أنه ليست هناك إرادة لدى الحكومة في محاربة الفساد، ناهيك عن تضارب المصالح وزواج المال بالسلطة.
وعلاقة بالموضوع، أدانت نعيمة فتحاوي النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية في تصريح للنهار المغربية، بشدة ولوج أعضاء في حكومة عزيز أخنوش للاستفادة من الصفقات العمومية، مؤكدة أن تضارب المصالح هو ما يفسر ضعف الاستثمار الأجنبي وعدم خلق مناخ الثقة.
وذكرت المتحدة، أن الحكومة فشلت في الوعد الذي قدمته بتوفير مليون منصب شغل، مشددة أن نسبة النمو التي لها علاقة بنسبة التشغيل وصلت إلى 2 في المائة، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة أنها ستصل إلى نسبة 4 في المائة.
وانتقدت فتحاوي بشدة إجراءات الحكومة التي ساهمت في إفلاس المقاولات، موضحة في هذا الخصوص أن هناك أزيد من 140 ألف مقاولة أفلست دون أن تتدخل الحكومة لإنقاذها.
وتطرقت البرلمانية لموضوع مناخ الأعمال الذي تراجع حسب احصائيات ودراسات العديد من المؤسسات الدولية والمندوبية السامية للتخطيط.
وانتقدت المتحدثة بشدة تراجع الاستثمار الأجنبي بنسبة 53 في المائة، بسبب ما اعتبرته ضعف استراتيجية الحكومة في جلب رؤوس الأموال الخارجية.
هذا وسبق أن أصدرت مؤسسة “أليانز ترايد” المتخصصة في الائتمان التجاري، التابعة لمؤسسة التأمينات الألماني “أليانز”، والمتواجدة في أكثر من 70 دولة بينها المغرب، تقريرا أسود بخصوص معدلات إفلاس المقاولات.
وكشف التقرير أنه من المتوقع أن يرتفع عدد الشركات التي ستعلن إفلاسها مع متم سنة 2024 إلى 16.100 شركة عوض 14.200 شركة مع متم سنة 2023 بارتفاع نسبته 13 في المائة.
ويعد هذا الرقم قياسي، حيث يتجاوز الرقم المسجل سنة 2021 الموصوم بالتبعات الاقتصادية السلبية لجائحة كوفيد 19، حين أقفلت 10.552 مقاولة مغربية أبوابها.
وأوضح التقرير أن إفلاس المقاولات بالمغرب لا يُعزى فقط لتداعيات الجائحة، ولا إلى التقلبات المناخية وفي مقدمتها الجفاف، ولكن أيضا إلى مشكلة التضخم المرتبطة بارتفاع الأسعار وتأخر آجال الأداءات وضعف المداخيل ومعاناة الشركات المغربية من نقص السيولة المالية الخاصة بالتدبير اليومي.
ويذكر أن الحكومة صرحت أنها ستخصص النصف الثاني من ولايتها الحكومية لملف التشغيل، وخلق أكبر عدد ممكن من مناصب الشغل.
إلى جانب التشغيل، يعد موضوع الجفاف من بين أبرز المواضيع المطروحة على طاولة حكومة عزيز أخنوش، حيث تسارع الحكومة الزمن إلى إيجاد حلول من شأنها أن تقلل من تداعيات الأزمة.
وللعام السادس على التوالي، يعيش المغرب عاما آخر من الجفاف، ويعتبر العام الماضي أسوأ عام جفاف شهدته المملكة المغربية منذ 40 سنة، حيث أصبحت أولوية الحكومة البحث عن تدابير جديدة ومبتكرة لتحقيق الأمن المائي وتلبية الطلب على المياه الصالحة للشرب.
هذا ويتوفر المغرب على 153 سدا كبيرا، بسعة إجمالية تصل إلى 20 مليار متر مكعب، و141 سدا صغيرا ومتوسطا، و15 محطة لتحلية مياه البحر، بقدرة إنتاجية 192 مليون متر مكعب، و17 منشأة لتحويل المياه، لكن هذه البنية التحتية المائية لم تنجح في التخفيف من حدة الأزمة، مما استوجب اتخاذ تدابير طارئة أخرى.
في هذا السياق، اتخذت المملكة عددا من الإجراءات ضمن مخطط عمل استعجالي يتضمن عددا من التدابير، من بينها: تسريع إنجاز سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وإنجاز آبار وأثقاب استكشافية لاستغلالها في دعم التزويد بالماء الصالح للشرب.
وتضمن المخطط أيضا إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر لتزويد المدن الساحلية، ومواصلة برنامج إعادة استعمال المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء، وتكثيف الاقتصاد بالماء وتوزيع الماء الصالح للشرب، والتقييد في استعمال مياه السقي، إضافة إلى تجهيز محطات متنقلة لتحلية مياه البحر، وإنجاز مشروع الربط بين سد وادي المخازن وسد خروفة الدي وصلت فيه الأشغال إلى مراحله المتقدمة، إلى جانب مشروع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع.
استعدادات التعديل الحكومي
قرر نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، دعوة المجلس الوطني للحزب لاستئناف جلسة دورته الأولى يوم السبت 5 أكتوبر 2024.
ويأتي هذا القرار بعد أن أتم نزار بركة سلسلة المشاورات الحزبية المتعلقة بتشكيل اللجنة التنفيذية للحزب.
ووفقًا لبيان صادر عن الأمانة العامة لحزب الاستقلال، فقد أجرى نزار بركة مشاورات موسعة مع فعاليات وهيئات الحزب، بما في ذلك الفرق البرلمانية والرابطات المهنية، حيث استمع إلى مختلف الآراء والتصورات المتعلقة بترشيح لائحة اللجنة التنفيذية، بهدف تعزيز مصلحة الحزب وتعزيز مكانته في المشهد السياسي، وتعزيز دوره على المستويين الوطني والدولي.
هذا، وأفاد مصدر مطلع من داخل حزب الاستقلال للنهار المغربية، أنه تم الاتفاق على معظم أسماء أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة، باستثناء اثنين يجري حالياً التشاور حولهما بين نزار بركة وحمدي ولد الرشيد، حيث يُنتظر أن يتوصل الطرفان إلى توافق بشأن هذين الاسمين لتقديم لائحة واحدة للتصويت عليها من قبل المجلس الوطني.
وشدد المصدر، أن الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، يركز جهوده حالياً على تحقيق توافق مع حمدي ولد الرشيد لتقديم لائحة موحدة لأعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة للحزب.
ويأتي هذا التوجه في إطار جهود الحزب لتفادي أي صراعات داخلية قد تؤثر على سير عملية انتخاب اللجنة التنفيذية، ويسعى بركة وولد الرشيد إلى ضمان توافق واسع داخل الحزب، مما يعزز من استقرار القيادة الحزبية ويزيد من قدرتها على مواجهة التحديات السياسية القادمة.
في الوقت نفسه، تتزامن تحضيرات حزب الاستقلال مع الأنباء حول تعديل حكومي محتمل، فقد تلقى زعماء أحزاب الأغلبية إشعاراً من رئيس الحكومة عزيز أخنوش للاستعداد للتعديل الحكومي المرتقب.
هذا وسبق لرئاسة المؤتمر الوطني الثامن عشر لحزب الاستقلال، الذي عُقد في مدينة بوزنيقة، أن أعلنت عن تأجيل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية، وذلك حسب البلاغ الذي نُشر على الصفحة الرسمية للحزب على موقع فيسبوك.
وذكر البلاغ أن التأجيل جاء في إطار “مواصلة دراسة الترشيحات وتقديم لائحة تتماشى مع تطلعات مناضلات ومناضلي الحزب، لتكون اللجنة التنفيذية الجديدة قادرة على مواجهة التحديات التي تعرفها البلاد وتلبية تطلعات المواطنين.”
وأضاف البلاغ أن نزار بركة، بعد انتخابه بالإجماع أميناً عاماً للحزب، ترأس جلسة انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وفقاً لمقتضيات النظام الأساسي للحزب، الذي صادق عليه المؤتمر العام الثامن عشر في 27 أبريل 2024. خلال هذه الجلسة، أعلن بركة عن “فتح الدورة بشكل مستمر” لإجراء المشاورات الحزبية اللازمة والاستماع إلى الفعاليات المعنية، وذلك لإعداد لائحة تعكس مصلحة الحزب وتعزز وحدته وتماسكه الداخلي.
ويذكر أن الفصل 60 من النظام الأساسي للحزب ينص على أن المجلس الوطني هو الجهة المخولة للتصويت على أعضاء اللجنة التنفيذية بناءً على اقتراح من الأمين العام يتضمن قائمة المرشحين.
التعديل الحكومي لا يكفي لإصلاح أعطاب الحكومة
اعتبر المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن التعديل الحكومي المرتقب لا يكفي لإصلاح أعطاب الحكومة الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش، وذلك بسبب ما اعتبرها حالة انفصامٍ عن الواقع تعيشها التجربة الحالية، تصل حد “استفزاز المغاربة”.
وبخصوص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب مع الدخول السياسي الجديد، قال الحزب إنه توقف عند أبرز سمات هذه الأوضاع، وأساساً استمرار غلاء كُلفة المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للأسر المغربية بجميع فئاتها، ولا سيما منها المستضعفة والمتوسطة.
ونبه الحزب إلى أن الخطاب حكومي يتسم بالارتياح الزائد وبالرضى المفرط عن الذات، بما لا يشكل فقط انفصاماً عن الواقع وإنكاراً لصعوباته من طرف الحكومة، وإنما أيضاً يشكل استفزازاً يُثيرُ الغضب بالنسبة للمواطنات والمواطنين الذين يئنون تحت وطأة المعاناة المتعددة الأبعاد لتوفير الحد الأدنى من شروط العيش الكريم.
واعتبر الحزب أن هذه الأوضاع تستلزم من الحكومة، “ليس فقط تعديلاً حكوميا يتم الترويج له وكأنه مفتاحٌ سحري لأعطاب الأداء الحكومي، بل تستلزم تغييراً عميقا لمسار توجُّهاتها وسياساتها ولأدائها السياسي والتواصلي”.
وتفاعلا مع الفيضانات الأخيرة، التي شهدتها بعضُ أقاليم المملكة وخاصة في إقليم طاطا وأدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات، دعا حزبُ التقدم والاشتراكية الحكومةَ إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للرفع من مستوى التدخل والدعم، من أجل مساعدة ساكنة الأقاليم والجماعات والدواوير المتضررة من هذه الفيضانات، ولا سيما على صعيد إعادة بناء المساكن وتعويض الأضرار وتأهيل البنيات التحتية والمرافق العمومية والخدمات الأساسية، لتجاوز تداعيات هذه الكارثة الطبيعية.
وشدد الحزب على ضرورة إعطاء الأهمية القصوى لإشكاليات العدالة المجالية، من خلال إنصاف المناطق التي لم تستفد بنفس قدرِ غيرها من ثمار المسار التنموي الوطني، وأساسا عبر إقرار العدالة في توزيع الاستثمارات العمومية، وتوجيه التوطين الترابي للمشاريع الخصوصية.
وأورد احزب أنه تطرقا مجددا إلى “محاولات الهجرة الجماعية لآلاف الشباب والقاصرين انطلاقاً من مدينة الفنيدق عبر معبر سبتة المحتلة، وما رافقها من مشاهد صادمة للرأي العام الوطني”، مؤكدا أنها تنطوي على مساءلة حقيقية لكل السياسات العمومية المنتهجة بالمغرب منذ عقود، ولأثرها الاجتماعي والمجالي.
وأورد الـPPS أن تلك الأحداث تشكل “مُساءلة صريحة” لكافة الفاعلين المؤسساتيين، ولأدوار ومكانة الوسائط المجتمعية، كما تضع على الجميع “أسئلة حارقةً، ليس حول الفقر والبطالة والأوضاع الاجتماعية فقط، بل أيضاً حول أزمة الثقة والمصداقية، وحول القيم وروابط الشعور بالانتماء”.
الاحتفاظ بميارة والعلمي في رئاسة مجلسي المستشارين والنواب
تتجه أحزاب الأغلبية في المغرب نحو لاحتفاظ بالنعم ميارة، الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، كرئيس لمجلس المستشارين، وذلك بعد أن قررت أيضًا تجديد الثقة في رشيد الطالبي العلمي، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، كرئيس لمجلس النواب.
ويأتي هذا التوجه في إطار التحضيرات لافتتاح البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر المقبل، حيث من المتوقع أن يتم تجديد انتخاب رئيس مجلس المستشارين في تلك الفترة.
وينص الفصل 63 من الدستور المغربي على انتخاب رئيس مجلس المستشارين وأعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها في بداية الفترة النيابية للمجلس، وكذلك عند انتهاء منتصف الولاية التشريعية.
وتدعم المادة السابعة من النظام الداخلي لمجلس المستشارين هذه الإجراءات، حيث توضح أنه في بداية أول دورة تلي انتخاب المجلس أو عند منتصف الولاية، يتولى أكبر الأعضاء سناً رئاسة المكتب المؤقت لحين انتخاب رئيس المجلس.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فقد اتخذت أحزاب الأغلبية قرارًا مبدئيًا بالاحتفاظ بالنعم ميارة كرئيس لمجلس المستشارين، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن هذا القرار بشكل رسمي قبل بدء الموسم السياسي الجديد.
دعوات لإجراء انتخابات مبكرة
تشهد الساحة السياسية في المغرب تصاعدًا في الدعوات لإجراء انتخابات سابقة لأوانها، حيث تتزايد أصوات المعارضة المطالبة بتغيير سياسي يعكس احتياجات المرحلة الحالية.
هذه الدعوات تأتي في ظل تنامي التوترات الاجتماعية والاقتصادية، وتزايد الانتقادات الموجهة للحكومة بشأن قدرتها على إدارة التحديات التي تواجه البلاد.
وتعتبر المعارضة أن الحكومة الحالية لم تستطع التعامل بفعالية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمغرب، بما في ذلك البطالة المتزايدة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الخدمات العامة، وترى أن الانتخابات المبكرة قد تكون وسيلة لإعادة ترتيب المشهد السياسي وإعادة الثقة إلى الشارع المغربي.
وفي هذا الصدد، قال عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، للنهار المغربية، إن المغرب يعيش في ظل هذه الحكومة أزمة اجتماعية حقيقة، توالت معها الإضرابات والاحتجاجات في جميع القطاعات.
وأضاف بووانو، أنه وفي ظل هذه الوضعية المتأزمة، نحن في حاجة الآن إلى نقطة نظام سياسية، وذلك تزامنا مع تقارير الهيئات الدولية والوطنية، التي أكدت على تراجع الثقة في الحكومة،
وأمام هذا الوضع، يضيف بووانو أنه يجب على الحكومة أن تبادر لإعلان انتخابات سابقة لأوانها لتختبر منسوب ثقتها.
واعتبر بوانو أن تنزيل ورش الحماية الاجتماعية يعرف ارتباكا وتضاربا في الأرقام، ورئيس الحكومة أخل بالتزاماته، مبرزا أن حزب العدالة والتنمية أجرى بكل مسؤولية وبكل موضوعية تقييما للحصيلة المرحلية للحكومة في ندوة صحافية، استنادا إلى برنامجها وإلى تقارير مؤسسات وطنية ودولية، فخلص إلى نتيجة هي تراجع الثقة في المؤسسات وتبديد المكتسبات وتعطيل التنمية.
وخلص بووانو، أن “هذا الأمر من شأنه أن يجنب المغرب الدخول في المجهول، إلى جانب توفير الزمن الذي تم تضييعه للأسف الشديد مع هذه الحكومة”.
قانون المالية 2025 يسعى لتحقيق التوازن بين الاقتصاد والمجتمع
تعد مذكرة رئيس الحكومة المغربية رقم 10/2024، الموجهة إلى السيدات والسادة الوزراء والوزراء المنتدبون والمندوبان الساميان والمندوب العام، حول إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2025، وثيقة هامة تسلط الضوء على الرؤية الاستراتيجية للمملكة المغربية في مجال التنمية، وتجسد التزامها الراسخ بتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي المستدام.
وتتضمن أولويات مشروع قانون المالية للسنة 2025 تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، توطيد دينامية الاستثمار، مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على استدامة المالية العمومية. يتطلب هذا التوجه استجابة فعالة للتحديات المرتبطة بارتفاع الأسعار وندرة المياه، مما يستدعي وضع استراتيجيات شاملة ومرنة.
وتعتبر الدولة الاجتماعية إحدى الأهداف الأساسية للحكومة، حيث تم إطلاق أوراش تعميم الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق التأمين الإجباري الأساسي عن المرض. وبحلول يونيو 2024، من المتوقع أن يستفيد أكثر من 4 ملايين أسرة، مما يعكس التزام الحكومة بتوفير خدمات صحية ذات جودة. ومن خلال إعادة تأهيل المؤسسات الصحية وتعزيز الموارد البشرية في القطاع الصحي، تهدف الحكومة إلى ضمان وصول المواطنين إلى خدمات صحية متكاملة.
وتُولي المذكرة أهمية لإصلاح التعليم، مستندة إلى التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد على أهمية بناء جيل متعلم ومبدع. وتشير المذكرة كذلك إلى تطوير التعليم الأولي، وتعزيز العرض المدرسي، وإصلاح التعليم العالي والبحث العلمي، وتطوير التكوين المهني. تظهر هذه الإجراءات انخراطا واضحا للمغرب في تحسين جودة التعليم، وإعداد جيل قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
إلى جانب ذلك، أعطت المذكرة أهمية واسعة للدعم المباشر لاقتناء السكن الرئيسي، تأسيسا إلى التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس التي تؤكد على أهمية ضمان سكن لائق لجميع الأسر.
وتشير المذكرة إلى برنامج الدعم المباشر لاقتناء السكن الرئيسي، وإطلاق برنامجٍ يهدف إلى إعادة إسكان الأسر المتبقية في الأحياء الصفيحية. وتركز هذه الإجراءات الالتزام صريحا نحو تحسين ظروف السكن، وإرساء نظام يضمن سكنا لائقا لجميع المواطنين.
وتعد دينامية الاستثمار إحدى الركائز الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. لذا، تعمل الحكومة على تحسين مناخ الأعمال وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ومن خلال تطوير ميثاق تنافسي جديد للاستثمار، تهدف الحكومة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما سيساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
في هذا السياق، يتم العمل على تحسين استراتيجيات التشغيل، خاصة في العالم القروي، مع التركيز على دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة. ومن خلال تعزيز دور النساء في سوق العمل، تسعى الحكومة إلى تحقيق تكافؤ الفرص وتعزيز المشاركة الاقتصادية للنساء.
بالإضافة إلى تنفيذ استراتيجية “الجيل الأخضر”، وتطوير صناعة وطنية في مجال تحلية الماء، وتعجيل إنجاز مشروع الربط الكهربائي لنقل الطاقة المتجددة، وتحقيق الانتقال الطاقي، وتنفيذ خارطة الطريق للقطاع السياحي، وتنفيذ استراتيجية “المغرب الرقمي 2030”. تُظهر هذه الإجراءات التزاما واضحا بتحفيز الاستثمار، وخلق فرص الشغل، وتعزيز القدرة التنافسية للمغرب على الصعيد الدولي.
وتُؤكد المذكرة على أهمية مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية في مختلف المجالات، كالعدالة، والإدارة، والأمن، والتنمية المحلية. وتؤكد هذه الإصلاحات التزاما واضحا بتحسين حكامة الدولة، وإرساء أسس للتنمية المستدامة، وإيجاد حلول للتحديات التي تواجهها المملكة. ويعتبر الحوار الاجتماعي جزءا أساسيا من هذه الإصلاحات، حيث يتم العمل على تعزيز الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني والنقابات.
ولتحقيق هذه المشاريع يتطلب الحفاظ على استدامة المالية العمومية، حيث يجب تحسين إدارة الموارد المالية، إذ تم تقليص العجز المالي من 7.1% إلى 4% من الناتج الداخلي الخام. ومن خلال تنفيذ الإصلاح الجبائي، تم تعبئة موارد إضافية تقدر بحوالي 100 مليار درهم، مما يعكس التوجه نحو تحسين فعالية النظام الضريبي.
وفي إطار التحولات المناخية والتحديات الاقتصادية، تسعى الحكومة إلى تعزيز الأمن المائي والغذائي. ومن خلال تنفيذ مشاريع كبرى في مجال تحلية المياه وتعزيز الفلاحة المستدامة، يتم العمل على ضمان توفير الموارد الأساسية لجميع المواطنين. إن هذه الجهود تأتي في سياق التزام الحكومة بتحقيق التنمية المستدامة وضمان حقوق الأجيال القادمة.
إن مشروع قانون المالية للسنة المالية 2025 يمثل فرصة لتعزيز المكتسبات وتحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، من خلال التركيز على تعزيز الدولة الاجتماعية وتوطيد دينامية الاستثمار، تسعى الحكومة إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تلبي تطلعات المواطنين.
المصطفى قريشي أستاذ القانون العام بالكلية متعددة التخصصات بالناظور ورئيس مركز الدراسات والأبحاث حول الإدارة العمومية
كيف ترى تأثير مشكل التشغيل والبطالة على الأجندة الحكومية خلال الدخول السياسي المقبل؟ وهل تتوقع أن يكون هناك تحرك فعلي لمعالجة هذه القضايا؟
تنتظر الحكومة، مع بداية الدخول السياسي الجديد الذي يتزامن مع بداية السنة الرابعة من ولايتها الانتدابية، مجموعة من القضايا والملفات الاستراتيجية ذات الطابعين الاقتصادي والاجتماعي، ولعل من بين أبرز الملفات الشائكة ملف التشغيل وارتفاع نسبة البطالة، حيث أنه حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط الأخيرة تجاوزت تلك النسبة 13% على المستوى الوطني، و22% على مستوى بعض الجهات كالجهة الشرقية، وبالتالي سيشكل هذا الملف شوكة في خصر الحكومة، وستكون له تأثيرات كبيرة على توازن العمل الحكومي، ومؤشر ومعيار حقيقي لقياس مدى نجاعة وفعاليات السياسات الحكومية والقطاعية في امتصاص البطالة وخلق فرص شغل إضافية، وقد بدا ذلك جليا في كلمة رئيس الحكومة عند افتتاح الدخول السياسي في أواخر غشت الماضي، وكذا في اعتبار مسألة خلق فرص شغل من الأولويات الأربع لإعداد مشروع قانون مالية 2025، وإحداث بيئة استثمارية محفزة وجذابة.
وسيشكل ملف التشغيل ضغط إضافي على الأجندة الحكومية خاصة مع موجات الهجرة الجماعية للشباب، وورقة ضغط بيد الفرقاء السياسيين، وكمؤشر على ضعف الحصيلة الحكومية، حيث اعتبرت الحكومة التشغيل هدفا مركزيا في برنامجها وخصصت له اعتمادات مالية ضخمة ولاسيما في برنامج “فرصة” و”أوراش” وغيرها من البرامج ذات الصلة، مما سيحتم على الحكومة بذل ومضاعفة الجهود في هذا السياق.
وبالتالي من المتوقع أن يشكل ملف البطالة أولوية مستعجلة للحكومة لارتباطه بورش الدولة الاجتماعية، والنموذج التنموي الجديد، وأن توفير فرص الشغل، هو المقياس الحقيقي لنجاح أية سياسة أو فشلها، وبالتالي فإن الولاية التشريعية القادمة في سنتها الرابعة ستضع هذه المعضلة موضع مساءلة مستمرة، بدءا بمشروع قانون المالية، الذي سيشكل إجابة حقيقة لمدى التزام الحكومة بإيجاد حلول مستدامة لمشكل البطالة، واستمرار تنزيل وتسريع وثيرة إنجاز باقي الأوراش الكبرى وتشجيع واستقطاب استثمارات كبرى عبر مجموعة من الحوافز المالية والضريبية.
تنزيل ورش الحماية الاجتماعية يعد من أبرز المشاريع الحكومية، ولكن ما هي التحديات التي قد تعيق تنفيذه؟ وكيف يمكن أن تتعامل الحكومة مع هذه التحديات لضمان نجاح المشروع؟
يمكن إجمال أهم تلك التحديات في استدامة التمويل، ومرونة معايير الاستهداف، حيث أن العديد من الأسر والمستفيدين من الدعم المباشر أو التغطية الصحية تفاجؤا بسحب ذلك الدعم أو مطالبتهم بإرجاع الأموال المتوصل بها أو ضرورة الاشتراك في التغطية الصحية، إضافة لضبابية المعايير والمؤشرات المعتمدة في استحقاق الدعم، وضعف قيمته في مقابل ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، التي تحتاج لحلول اجتماعية مستدامة تكريسا لدعائم الدولة الاجتماعية.
كما أن ورش الحماية الاجتماعية هو لبنة من أجل ضمان العيش الكريم، وصون الحقوق خاصة الحق في العمل، حتى لا يتحول الأمر إلى برامج لتكريس واستدامة ثقافة التسول والإحسان والاستثمار السياسي في هشاشة المواطنين.
كما أن مشكل استدامة التمويل سيشكل تحد كبير يضغط على ميزانية الدولة، قد يؤدي لتقليص مخصصات الاستثمار، إضافة لضعف التقائية البرامج الاجتماعية القطاعية وضعف حكامة الحسابات والصناديق الخصوصية الموجهة للمجالات الاجتماعية.
لذا يتوجب على الحكومة أن تجعل من أولوياتها إكمال تنفيذ التزامتها بخصوص تعميم الحماية الاجتماعية في باقي محاورها المرتبطة بالتعويض بفقدان الشغل وتوسيع الانخراط في أنظمة التقاعد، من خلال البحث عن مصادر وموارد تمويلية متجددة ومستدامة، عبر أوراش اقتصادية اجتماعية حقيقية.
استكمال باقي الأوراش المرتبطة بتعزيز البنيات التحتية للمنظومة الصحية وتعزيزها بالموارد البشرية والمادية اللازمة لتستجيب لحاجيات ومتطلبات تنزيل الحماية الاجتماعية.
هل ترى أن الحكومة الحالية قادرة على مواجهة تحديات ندرة المياه بشكل استراتيجي ومستدام؟ أم أن هناك حاجة إلى إعادة التفكير في السياسات المائية بشكل جذري؟
إن معضلة ندرة الماء أو الاجهاد المائي لم يعد مشكل حكومي صرف خاص، بعد تدخل الملك من خلال جلسات العمل الملكية وكذا العديد من التوجيهات الملكية للحكومة خاصة في خطاب العرش الأخير حيث دعى الملك إلى ضرورة الإسراع في تنزيل مضامين البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي للفترة 2020-2027، إضافة لالتزام الحكومة بإنجاز وإتمام الأوراش والمشاريع استكمالها وخاصة المتعلقة ببناء السدود وصيانتها والربط بين الأحواض المائية، واستكمال محطات تحلية مياه البحر، وكذا تكوين تقنيين وخبراء في المجال.
وفي اعتقادي أن الحكومة الحالية تسترشد بالتوجيهات والتعليمات الملكية التي رسمت المعالم الكبرى لربح مختلف التحديات المرتبطة بإشكالية الماء، مما سيجعلها تسخر كل الإمكانيات الممكنة لتنزيل مختلف الأوراش المرتبطة بالماء دون أي تأخير، من خلال تخصيص مخصصات مالية في قانون ميزانية 2025.
ويمكن اعتبار أن أكبر تحدي أمام الحكومة مرتبط بتوفر الموارد المالية اللازمة لاستكمال تلك الأوراش، إضافة للحكامة في تدبير تلك الموارد، والالتزام بالآجال المحددة، وابعاد ملف الماء عن التجاذبات السياسية، مع ضرورة التحيين المستمر لآليات السياسة الوطنية للماء.
وتحد ثاني مرتبط بترشيد استهلاك الماء خاصة بالمجال الفلاحي الذي يستهلك أزيد من 80% من الموارد المائية، مما يستدعي إعادة النظر في السياسة الفلاحية ونوعية المزروعات التي تتطلب كميات كبيرة من الماء، واستعمال التقنيات الحديثة في السقي للمحافظة على الثروة المائية، وهو أمر يبدو مستبعد في الزمن القريب المنظور نظرا للضغط الكبير الذي يعرف سوق الغذاء، وكذا جشع المستثمرين، وضعف آليا المراقبة.
في ظل الهجرة الجماعية للشباب، كيف يمكن للحكومة معالجة هذه الظاهرة؟ وهل يمكن اعتبارها أولوية خلال الدخول السياسي المقبل؟
أول شيء يجب أن تقوم به الحكومة هو حملات تواصلية وتوعوية موجهة لهؤلاء الشباب، وتعريفهم بمختلف الأوراش والفرص المتاحة للتشغيل، أو تمكينهم من العودة لفصول الدراسة، او معاهد التكوين المهني، حيث ظهر الغياب شبه الكلي للقطاعات الحكومية المعنية بالشباب في الفترات السابقة، إضافة لمعالجة ومعرفة الأسباب الحقيقة وراء تلك الظاهرة وبذلك الشكل المقلق وخاصة أنها ترتبط بالشباب وأغلبهم قصرين، وأن تتم معالجتها وفق مقاربة شمولية ضمن استراتيجية وطنية تتكاثف جهود كل القطاعات بشأنها.
واعتقد أنها ستشكل أولوية قصوى للحكومة في ظل تنامي الاستهجان المجتمعي من الظاهرة، وتناولها من مختلف وسائل الاعلام الوطنية والدولية، ودخول المعارضة السياسية على خط هذا الملف للضغط سياسيا على الحكومة، مما سيحتم على هذه الأخيرة البحث عن حلول واستراتيجية دامجة للشباب، من أجل استعداد ثقة هؤلاء الشباب.
وتظهر هذه الأولوية بشكل جليا في المذكرة التوجيهية لإعداد قانون مالية 2025 والذي تضمن العديد من المقتضيات المتعلقة بتعزيز إدماج الشباب في الحياة العامة إن على مستوى التعليم ومحاربة الهدر المدرسي الذي يشكل خزان الهجرة غير المشروعة وتعزيز مسارات التكوين المهني إضافات لتقوية مؤسسات الرعاية الاجتماعية والتنشيط الثقافي من دور الشباب إضافة لتوفير فرض التشغيل.
كيف تؤثر الفيضانات الأخيرة على أولويات الحكومة؟ وهل تعتقد أن هناك حاجة لتبني سياسات جديدة لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية؟
نعلم جيد أن عند حدوث الكوارث الطبيعية من فيضانات أو زلازل أو غيرها يستدعي من الحكومات وضع تدبير استعجالية لمساعدة الساكنة المتضررة، وهو الأمر الذي يتطلب اعتمادات مالية يتعين تخصيصها لإعادة الإعمار وتعويض الأضرار، وهو ما سيشكل عبأ إضافيا على ميزانية 2025، يستدعي التفكير في موارد مالية جديدة، لكن يبدو أن الحكومة لا تتوفر على استراتيجية واضحة في هذا المجال وبالتالي يبقة تدبيرها تدبيرا أزماتيا ظرفيا مؤقتا، دون وجدو استراتيجية وخطط مستدامة لمواجهة مثل تلك الكوارث الطبيعية.
ويتجلى ذلك في البطء للاستجابة لنداءات ساكنة طاطا حيث مازالت العديد من الدوارير معزولة والطرق مقطوعة جراء جرف مياه الفيضانات للعديد من القناطر التي شيدت على مجرى الأنهار والذي يعكس عدم القيام بدراسات دقيقة، وكذا ضعف متانة البنيات التحية لغياب المراقبة واستراتيجية تنموية واضحة لأقاليم الهامش.
وبالتالي بات من الأولوية بمكان وضع سياسات استراتيجية مستدامة تتنبأ بالمخاطر أو ما يسمى بتصميم المخاطر، والالتزام بتأهيل كل البنيات التحتية المتضررة، وهو ما نراه مستبعدا نظرا للظرفية الاقتصادية الحالية والضغط الميزانيات الذي تعيشه الموازنة العامة للدولة لكثرة الأوراش المفتوحة.
بالنسبة لقانون الإضراب الذي أثار جدلاً واسعاً، كيف تتوقع أن تتعامل الحكومة معه؟ وهل ترى أن هناك إمكانية للوصول إلى توافق بين الحكومة والنقابات؟
القانون التنظيمي للإضراب هو حاليا في مرحلة التشاور والمفاوضات على طاولة الحوار الاجتماعي بين الفرقاء الاجتماعيين، النقابات الأكثر تمثيلية وممثلي أرباب العمل والوزارة المعنية، ولا يبدو في الأفق القريب أنه سيتم التوافق عليه، نظرا لتباين وجهات النظر، وتعدد النقاط الخلافية، وخاصة بعد الرأي السلبي الذي قدمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في شأن القانون التنظيمي للاضراب حيث اعتبر بعض مقتضياته غامضة وتتسم بالعموميات، وبالتراجع على عدد من المكتسبات الحقوقية التي أتى بها دستور 2011 حيث دعى الحكومة إلى ضرورة مراجعته.
وتتشبث النقابات الأكثر تمثيلية بعدد من الحقوق خاصة الحق في العمل النقابي وذلك بدعوة الوزارة للمصادقة على عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وكذا سحب العقوبات السالبة للحرية في حق المضربين من مشروع القانون، وتبسيط وتقليص بعض الآجال المرتبطة بممارسة حق الاضراب.
وبالتالي فإنني استبعد التواصل لاتفاق يرضي جميع الأطراف الثلاثة في المعالة وبالتالي سنكون أما خياران أحلاهما مر:
إما إرجاء مناقشة المشروع وارجاعه لإدراج مجلس النواب مجددا مما سيشكل انتكاسة حقوقية حقيقية، وإما مضي الحكومة في طرح المشروع للمناقش والمصادقة البرلمانية لتوفرها على أغلبية جد مريحة مما سيشكل إشعال فتيل احتجاجات نقابية وعمالية اكثر، لذا اعتبر السينارو الأول أقرب للتحقق.
ما هي قراءتك للنتائج الضعيفة للانتخابات الجزئية بالرباط، وكيف يمكن أن تؤثر على المشهد السياسي؟
بداية كملاحظة أولية هو أنه لا يمكن أن نسقط تحليلات مرتبطة بانتخابات جزيئة بمنطقة ما على كل الوضعية السياسية، وبالتالي تبقى حالة تحتاج للكثير من التمعن والملاحظة، لارتباط الانتخابات بالمغرب ببعض الوجوه أكثر من ارتباطها بالحزب والبرنامج الحزبي، ثم توقيت إجراء هذه الانتخابات المتزامن مع نهاية العطلة الصيفية وبداية الدخول المدرسي، ثم ضعف الزخم السياسي المصاحب للعملية الانتخابية في ظل ضعف مزمن للمعارضة السياسية القوية، والاحساس بأن الأمور محسومة في ظل دعم الأغلبية لمرشح وحيد.
لكن في نفس الوقت يمكن في المقابل أن تشكل مؤشر وإشارة مهمة لكل الفرقاء السياسيين باعتبار الامتناع أو العزوف عن التصويت هو سلوك انتخابي يرسل رسائل قوية بعدم الرضى وعدم الاقتناع بما تم تقديمه، ومحاكمة الحصيلة الحكومية.
كما أن القراءة المتفحصة للمصوتين يتبين أن غالبيتهم من الأحياء الشعبية والفقيرة، وغياب شبه كلي لتصويت ساكنة الأحياء المتوسطة والراقية، مما يظهر أنه تصويت عقابي يساءل حصيلة الحكومة.
كيف تتوقع أن ينعكس التعديل الحكومي المرتقب على أداء الحكومة؟ وهل تعتقد أنه سيكون هناك تغييرات كبيرة تؤثر على السياسات العامة؟
بداية اعتبر أن التعديل الحكومي أصبح عرفا مغربيا منذ الحكومة الأولى بالمغرب، لكن ارتبط هذا العرف بعد دستور 2011 بمؤشرات عدة تتمثل في غضبة ملكية على أداء بعض الوزراء، أو تهلهل في تماسك الأغلبية الحكومية، مثال خروج حزب الاستقلال من حكومة بن كيران، أو التجاذبات السياسية بين الأغلبية الحكومية، أو بهدف تعزيز الحكومة بكفاءات جديدة عند ضعف الحصيلة الحكومية أو تباطؤ إنجاز عدد من الأوراش المهمة.
كل المؤشرات السابقة حسب اعتقادي ليس متوفرة في الظرفية بحكم أن الأمور حاليا ” مزيانة سياسيا ومؤسساتيا” أمام تماسك الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية المريحة جدا التي تتمتع بها، إضافة للخرجة الإعلامية الكبيرة للحكومة لاستعراض حصيلتها بعد انقضاء نص الولاية، إضافة للسرعة والوتيرة التي تعمل بها الحكومة على مختلف الأصعدة والأوراش الكبرى والاصلاحات التي تشهدها البلاد إن على مستوى التشريعي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو البنيات التحتية.
وبالتالي لا يبدو أن هناك مؤشرات قوية لاتخاذ هذه الخطوة ما دام أن كل القطاعات الحكومية تشتغل وبدون تشنجات واضحة، ولا يبدو أن الجهاز الحكومي دخل في مرحلة تقييم داخلي على هذا المستوى، ويبقى الأمر مجرد تكهنات ترتبط بعرف اتبع سابقا، أو تحريض اعلامي من طرف فرق المعارضة لزعزة ثقة الحكومة وتماسكها لا غير.
ما هي توقعاتك حول قانون المالية المقبل، وكيف يمكن أن يؤثر على مختلف القضايا المطروحة على طاولة الحكومة، خاصةً في ظل الوضع الاقتصادي الحالي؟
أظن أن أغلب الأولويات والدعامات وميكنيزمات وآليات مشروع قانون مالية سنة 2025 هي نفسها التي ارتكز عليها قانون مالية 2024، مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المحروقات، والمواد الغذائية الأساسية، إضافة للضغط الموازناتي على ميزانية الاستثمار، ومتطلبات الأوراش الكبرى المفتوحة، وبالتالي أظن أن وفقا للمذكرة التوجيهية لرئيس الحكومة بشأن إعداد مشروع قانون ميزانية 2025 ليس بها أي جديد يمكن أن يؤشر على تحول نوعي، أو استجابة أفضل لمختلف الحاجيات الملحة والمستقبلية وبالتالي ستبقى السياسة المالية مرهونة بالتوازنات الموازناتية والوضعية الاقتصادية العالمية.
ولا يمكن أن تشكل بعض التوجيهات التي ذيل بها رئيس الحكومة المذكرة التوجيهة المرتبطة بالتقشف في نفقات التسيير وخاصة استهلاك الماء والكهرباء والتنقل وغيرها فارق مهما لحكومة تدبير المالية العمومية، لأن نفس المذكرة توجه لضرورة التقليص للحد الأدنى بالنسبة للتوظيفات مما يؤشر على تراجع المناصب المالية في مشروع قانون مالية 2025.
كما أن من بين مخاطر ضعف قدرة مشروع مالية 2025 الاستجابة لهذه الظرفية ومواكبتها لعدم قدرة الحكومة على إيجاد حلول مبتكرة ومستجدة لتعزيز مالية الدولة، جعلها رهينة لدى المنظمات المالية العالمية وبالتالي التوجه لخط الاستدانة مما سيشكل عبأ إضافية على الموازنات المستقبلية، وبالتالي سيعرف الاقتصاد الوطني بعض الانتعاشة والتطورلكنها انتعاشة الصدمة الكهربائية.
كيف ترى دور المعارضة في هذا الدخول السياسي؟ وهل تتوقع أن تكون قادرة على تقديم بدائل حقيقية للسياسات الحكومية؟
للأسف المعارضة السياسية خلال الثلاث سنوات الماضية اتسمت بالضعف والعجز أمام الأغلبية الحكومية، وعدم وجود تقاطعات بين مختلف فرق المعارضة لتباين وجهات نظرها بخصوص التدبير الحكومي، لكن اعتقد أن مع دخول الحكومة سنتها الرابعة سيكون هناك نوع من الدينامية في فعل المعارضة السياسية استعدادا لانتخابات 2026، وبالتالي سنشهد تشنجات ونوع من المحاسبة القوية، لكنها ستبقى دون تأثير حقيقي لتمتع الحكومة بأغلبية برلمانية جد مريحة، وكذا ضعف آليات التواصل السياسي لدى المعارضة وغيابها الشبه كلي عن نبض الشارع، مما أفقدها مصداقيتها وخير دليل النتائج الضعيفة التي تحصل عليها في الانتخابات الجزئية سواء التشريعية أو المحلية.
وبالتالي أعتقد أن دور المعارضة سيقتصر خلال ما تبقى من الولاية الحكومية وخاصة مع الدخول السياسي لهذه السنة في تقييم حصيلة الحكومة والتعليق عليها، وتتبع عثراتها، ونقائصها، ومحاولة تضخيمها إعلاميا لاستغلالها سياسيا مستقبلا في الانتخابات القادمة، دون أن تكون هناك إمكانية تقديم بدائل حقيقية ومقترحات جدية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية.