أمر مريب نعيشه في تاريخ المغرب لم نعشه من قبل، ويتعلق بغياب شبه تام للأصوات المعارضة، حتى بدأ البعض يتساءل عن السر وراء إسكات الأصوات المعارضة، حزبيا ونقابيا وإعلاميا وحتى داخل المجتمع المدني، ففي عز قوة وجبروت الوزير الأقوى في تاريخ المغرب الحديث إدريس البصري، والمعروف بتكميم الأفواه بكافة الوسائل، كانت هناك معارضة قوية تزلزل الأرض، وكانت المعارضة السياسية البرلمانية قادرة على خوض المعارك القانونية، وكانت حتى المعارضة غير البرلمانية قوية، وكانت النقابات أقوى.
وبالإضافة إلى المعارضة السياسية والنقابات القوية، كان هناك مجتمع مدني يقظ وكان هناك إعلام ذو مصداقية يثق فيه القارئ، لكن اليوم نعيش حالة صعبة جدا، رغم أن أخنوش لا يملك أية قوة ولا أية كاريزما، ولا يملك واحدًا من مائة مما كان لإدريس البصري، غير أنه استطاع بقوة “سحرية خارقة” أن يفعل ما لم يفعله الرجل الذي كان سببا في دخوله عالم السياسة.
لقد أسكت الجميع إلا ما قل وندر. سياسيا لما فاز بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، استقطب الأحزاب التي استطاعت الحصول على مقاعد مهمة، فكون أغلبية شبه مطلقة، واستبعد حزبا كان متمسكا بالمشاركة في الحكومة تحت مبررات عديدة، ولما خرج من الحكومة أصبح مطرودا للمعارضة، وبالتالي لا يمكن التعويل على معارضته، والحركة الشعبية حزب تربى داخل الحكومات حتى أصبح عليه ممارسة المعارضة في وقت ما زال حزب العدالة والتنمية يلملم جراح سقوطه “الحر” من 127 مقعدا إلى 13 مقعدا.
أما كبرى النقابات وأعرقها في تاريخ المغرب، أي الاتحاد المغربي للشغل، فقد وقّع أمينها العام ميلودي موخرايق اتفاقا قبيل الانتخابات مع عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، حتى بتنا نشاهد لقاءات النقابة باللون الأزرق لا يختلف عن لون حزب رئيس الحكومة، وحتى يمعن في تدجين النقابات وبدل الزيادة في الأجور وتسوية الوضعية قام بالزيادة في مخصصات الحكومة للنقابات، حتى بتنا لا نرى سوى نقابة لاسامير من تقف في وجهه وبضعة قطاعات.
ففي البرلمان يتوفر على أغلبية مطلقة وفي الإعلام يتوفر على مساندة شبه مطلقة إلا قلة قليلة يسعى إلى قتلها بكافة الطرق والوسائل، وبالتالي يتم طرح السؤال الملحاح: ما السر الذي يمتلكه أخنوش في إسكات الأصوات دون ضجيج؟ ما السر في غياب أية معارضة وازنة؟ ما هي المنهجية الأخنوشية في ذلك؟
إذا تم رصد طريقة أخنوش في إسكات الأصوات ربما تصبح نموذجا يحتذى في بعض الدول، لأن أخنوش أقسم حتى يأتي على سمعة المغرب الدولية، فبلادنا رائدة في مجالات عديدة، حيث تعتبر نموذجا قويا في المقاربة الأمنية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ونموذجا في استقطاب الاستثمارات الأجنبية نتيجة الاستقرار السياسي والاجتماعي ونموذجا في الحقوق والحريات، لكن الحكومة تسير عكس كل ذلك.