كشف محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة، أن ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب بخصائصها الإيديولوجية والتنظيمية، تظل في الوقت الراهن، التحدي الأبرز لمختلف الأجهزة الأمنية والمؤسسات القضائية، موضحا أنه ” بعد تراجع عدة تنظيمات إرهابية ببؤر التوتر المعروفة، نواجه عودة المقاتلين الإرهابيين نحو بلدانهم الأصلية، واعتماد التنظيمات على أسلوب الذئاب المنفردة، وكذا استغلال شبكة الأنترنت في الترويج والدعاية لأفعالهم الإجرامية والتحريض عليها، منبها الى أن” مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الأنترنت العالمية، أصبحت فضاء مثاليا تمارس عبره المجموعات الإرهابية أنشطتها، وذلك بفعل ما توفره من إمكانية للتواصل بطريقة سرية، وانفتاحها على جمهور عريض يتوزع في كافة أنحاء العالم”.
وأشار عبد النباوي، خلال اجتماع اللجنة الرباعية على مستوى رؤساء النيابات العامة، بمراكش صباح اليوم، الى أن “البحث عن السبل المتاحة لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتطوراته شكل إجماعا دوليا، تبلور على شكل اتفاقيات دولية وإقليمية، وقرارات وتوصيات صادرة عن هيئة الأمم المتحدة، والتي أنتجت لنا ترسانة قانونية وتنظيمية متكاملة، تأخذ في اعتباراتها الجوانب الأمنية والحقوقية، مؤكدا أن ” لقاء مراكش يعتبر من الآليات الدولية الناجعة في هذا المجال، حيث يكتسي تبادل المعلومات حول المبادرات التشريعية في مجال مكافحة الإرهاب وقواعد الاجتهاد القضائي أهمية قصوى، لكون النقاش المتعلق بهذه المواضيع يسمح بالوقوف على المستجدات التشريعية والقضائية بكل دولة، خاصة المتعلقة بضمان المحاكمة العادلة في القضايا الإرهابية المعروضة على المحاكم.
وأوضح الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، أن اجتماع أعضاء اللجنة الرباعية، الذي تتشرف المملكة المغربية باستضافته هذا العام، يشكل فرصة لتحليل الوضع الراهن للتهديد المحتمل لخطر الإرهاب بالمنطقة ورصد التحديات القضائية والعملية أثناء البحث والتحقيق والمتابعات في القضايا الإرهابية، وكذا في تبادل وجهات النظر حول المنظمات الإرهابية وطرق تسييرها وتمويلها، ليتمكن كل طرف معني في الاتفاق، من إعداد تصور خاص به حول الخطر الإرهابي، وتحديد ما ينبغي القيام به من إجراءات للتصدي له، كما يعتبر مناسبة لتقييم ما تم إنجازه خلال السنة الجارية، ورسم معالم التعاون الأمثل للسنة المقبلة تحقيقا للأهداف المرسومة.
واعتبر عبد النباوي، أن الخطر الإرهابي لا يقتصر على دولة دون أخرى، ولا توجد أمة واحدة بمأمن منه، فهو حلقة دائرية تتربص بكل الشعوب وتهدد جميع الدول، والمغرب يعرف – كما قال جلالة الملك “أن الإرهاب لا دين له ولا وطن”، فقد انخرط المغرب في الجهود الدولية التي تهدف إلى محاربة هذه الآفة العالمية، كما يعمل على الصعيد الوطني من أجل التصدي للأسباب التي قد تؤدي إلى التطرف والإرهاب، لكن المغرب كجميع بلدان المنطقة، بل وكل دول العالم، ليس بعيداً عن هذه التهديدات” ، ولذلك فإن تطوير التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب يعتبر مسألة حتمية، إذ لا يمكن لأي دولة مهما كانت إمكانياتها أن تواجه لوحدها هذه الظاهرة التي تمس بأمن وسلامة المجتمع الدولي، مما يُرَجِّحُ ضرورة تفعيل آليات التعاون القضائي الدولي، طبقا للاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، وتسهيل تبادل المعلومات المتوفرة بالسرعة المطلوبة. وذلك لقطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية المتطرفة، حتى لا تتخذ من تراب أي دولة ملاذاً آمناً من الملاحقة والمتابعة.
وكشف عبد النباوي، أن التعاون القضائي في مجال مكافحة الإرهاب بين فرنسا وبلجيكا واسبانيا، المجتمعين اليوم، شهد تطورا ملفتا للانتباه من خلال توظيف قضاة الاتصال لتسهيل التواصل بين النيابات العامة المتخصصة بالدول المعنية، وبالأخص منذ إنشاء اللجنة الرباعية، التي تضم كلاًّ من قطب الإرهاب بالمحكمة الكبرى بباريس، والنيابة العامة لدى المحكمة الوطنية الإسبانية، والنيابة الفيدرالية ببلجيكا، بالإضافة إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، وهو ما مكن الدول الأربع من التوفر على منصة ملائمة لتبادل المعلومات عن التشريعات والاجتهادات القضائية. وكذلك لتدارس القضايا المشتركة وتتبع التهديدات الإرهابية، والتنسيق لمواجهتها بالآليات القضائية المتاحة في التشريعات. وفضلاً عن ذلك فإن التواصل المباشر بين أعضاء النيابات الأربع المعنية، يساعد على حسن تطبيق اتفاقيات التعاون القضائي، وسرعة إنجاز وتنفيذ طلبات التعاون المتعلقة بقضايا الإرهاب.