محمد عفري
أطلقت حكومة أخنوش في حملاتها الانتخابية شعارات رنانة، من أهمها العناية التامة بالمواطن في صحة بدنه ونفسه وعقله. لكن، مع بدايات هذه الحكومة اتضح أنها هي الأوْلى بالحاجة أكثر إلى العناية “الصحية” الفكرية، حينما سقطت “على الريق”، في مطب تقديم طبيبة “حزب الحمامة” التي تشغل مهمة عمدة الدار البيضاء إلى “الاستوزار” وحمل حقيبة وزيرة الصحة، قبل أن يحل أسرع تعديل حكومي في مغرب ما بعد الاستقلال، وينقذ الموقف ويريح السيدة العمدة من وِزر الصحة العمومية.
بما أن حكومة أخنوش “سليطة اللسان” في بياناتها، كانت “سليطة” السرعة، أيضا حينما تحلت بالجرأة الزائدة جدا لتعلن في أول امتحان لها (جفاف الموسم)؛ عن الاستسلام، قبل مائة يوم من وجودها، وترفع، دون حياء، شعار “الله غالب” في وجه المواطنين ووجه من انتخبوها بالخصوص..
لا أحد يستبعد صفة “التسلط” عن حكومة أخنوش، وإلا كيف نفهم “ركوبها” على مشاريع وأوراش ملكية صرف، لتنسبها إلى نفسها دون استحياء، وفي مقدمتها، ورش الحماية، ومنه التغطية الصحية.
ففي شق التغطية الصحية وباب المرض والتعويض عن مصاريف علاجه ما الجديد الذي ستقدمه حكومة أخنوش، مادام المواطنون يعانون من تسعيرة الأطباء في عياداتهم، أكثر من معاناتهم من تعويضات التأمين على المرض ومصاريفه، إذ أن أكثر من خمس وتسعين بالمائة من الأطباء “الاختصاصيين” يفرضون سعر ثلاثمائة درهم “للتشخيص” الطبي، بينما أقل ما يفرضه أطباء الطب العام هو تسعيرة مائتي درهم لهذا “التشخيص” السريع جدا. أما التأمين الإجباري على المرض فيعتمد تسعيرة مرجعية لا تتعدى مائة وخمسة دراهم للطب الخاص، وبواجب تعويض لا يتعدى سبعين بالمائة، بينما يعتمد تسعيرة مرجعية لوصفة لدى طبيب عام لا تتعدى سبعين درهما وبمعدل تعويض لا يتعدى سبعين بالمائة أيضا. أما الحديث عن تعويضات أمراض العيون وقِصر النظر، فحدّث ولا حرج عن هزالة التعويضات، التي لا تتعدى أربعمائة درهم عن كل نظارة، كيفما كان دَركُ التدني من النظر وأمراضه. إن كان السؤال عن الخلل في هذه الجدلية واجبًا، فسؤال آخر أكثر موضوعية يفرض نفسه وهو هل تستطيع حكومة أخنوش إصلاحا لصالح المواطن عبر مجلس الأطباء والوكالة الوطنية للتامين وباقي المؤسسات، أم ستساير شعار الله غالب..
الواقع هو أن المغرب في سياسته الدوائية ظل هشا وموطنا للخصاص والتخلف، ليس على صعيد الأَسرّة والمستشفيات العمومية والمراكز الاستشفائية الجامعية وإنما على صعيد الموارد البشرية المتخصصة، وفق المعايير الدولية المعمول بها، والضامنة لحق الإنسان في الصحة بالمدن والقرى والمناطق النائية، وتعدى ذلك إلى اختلال التدبير الحكيم في سياسة تدبير الدواء الذي هو جزء من مجمل السياسة الدوائية، التي تسير بخطين غير متوازيين على الأقل، خط يعتمد على بناء الصروح من المستشفيات، وخط تُفتقد فيه مقاربة شمولية لتوفير الدواء وتغطية صحية ناجعة.
اليوم والمغرب سجل ريادته في مواجهة وباء كورونا بسياسته الناجحة في توفير اللقاحات واللقاحات المعززة، لا يمكن أن تقف التغطية الصحية الناجحة في ريادته الدوائية هاته، علما أن آباءنا وأجدادنا الأقربين، سواء على عهد الحماية الفرنسية أو على عهد حكومات ما بعد الاستقلال، عاشوا على وقع العديد من الجائحات الفتاكة التي أتت على العديد من الضحايا دون إيجاد أدوية أو مضادات حيوية أو سياسة دوائية صارمة لمواجهتها. بل إلى حدود جيلنا ظل ما يعرف بفيروس البوليو (شلل الأطفال) أو الحصبة أو المنانجيت أو الالتهاب الكبدي التي استعصى تطبيبها وما يزال مستعصيا لتكون مواجهتها فقط بالاستسلام، والحال أن تغطية صحية ناجحة كانت حلا لابد منه للخروج بمغرب سليم ومعافى..
ولتحقيق السلامة الصحية والعافية، لا عذر لحكومة أخنوش في أن نسمع أبسط الأدوية المتعلقة بالغدة الدرقية أو بالقلب والشرايين، مثلا، أو ما يقارب أربعمائة دواء مفقود من الصيدليات، خصوصا ما تنتجه شركات “محتكرة” وغالبيتها مضادات حيوية ومنها ما هو خاص بداء السرطان.
الكرة عند أخنوش..