انطلقت الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا، والتي ستتواصل إلى غاية 2 يونيو المقبل، وسط تعبئة شاملة لضمان مرور هذا الاستحقاق التربوي في ظروف ملائمة. غير أن اليوم الأول من الامتحانات لم يخلُ من حوادث مقلقة، أبرزها تسجيل حالات غش خطيرة استدعت تدخلاً أمنياً عاجلاً وتوقيف عدد من المتورطين في عمليات منظمة تستهدف نزاهة هذا الموعد الوطني.
و أفاد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بأكادير، في بلاغ رسمي، أنه تم ضبط مرشحين اثنين داخل أحد مراكز الامتحان وهما متلبسان بالغش في مادة اللغة العربية، وبحوزتهما معدات إلكترونية متطورة تُستخدم للتواصل الخارجي أثناء الامتحان، وأسفرت الأبحاث الأمنية، التي جرت تحت إشراف النيابة العامة، عن توقيف خمسة أشخاص آخرين داخل شقة كانوا على اتصال مباشر بالمرشحين الموقوفين. وقد حجزت المصالح الأمنية بحوزتهم حاسوباً وهواتف نقالة تُستعمل لتلقي الأسئلة وتمرير الإجابات، بالإضافة إلى حوالات مالية يشتبه في ارتباطها بعمليات الغش.
كما تم توقيف شخص سادس بمقهى قريب من أحد مراكز الامتحان، عُثر بحوزته على معدات إلكترونية مماثلة، ما يعزز فرضية وجود شبكات منظمة تقدم خدمات الغش بمقابل مالي. وقد تم وضع جميع الموقوفين تحت تدابير الحراسة النظرية، مع استمرار الأبحاث لتحديد كافة المتورطين المحتملين.
وفي مدينة الحسيمة، أعلن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية توقيف شاب في العشرينات من عمره يُشتبه في تسييره لمجموعات على تطبيق “واتساب” تقوم بتسريب الأجوبة الخاصة بامتحانات البكالوريا مقابل مبالغ مالية يتم تلقيها عبر تحويلات.
وأوضح بلاغ النيابة العامة أنه تم حجز معدات وأدلة رقمية خلال تفتيش قانوني لمسكن المشتبه فيه، وقد تم وضعه بدوره تحت تدابير الحراسة النظرية لاستكمال التحقيقات و هذه الوقائع المتفرقة تعكس استمرار ظاهرة الغش في الامتحانات، رغم المجهودات التي تبذلها وزارة التربية الوطنية لمحاصرتها، سواء عبر تعزيز الإجراءات الوقائية والأمنية أو من خلال حملات التوعية الموجهة للتلاميذ وأسرهم.
وتُظهر المعطيات المسجلة في اليوم الأول من البكالوريا أن الغش لم يعد مجرد سلوك فردي، بل بات يأخذ طابعاً ممنهجاً أحياناً، باستخدام تقنيات متطورة وتنظيم شبه شبكي، ما يشكل تحدياً حقيقياً أمام نزاهة الامتحانات ومصداقية النتائج.
يُذكر أن عدد المترشحين لاجتياز البكالوريا هذه السنة بلغ 495.395، منهم 385.330 ممدرساً و110.065 مترشحاً حراً، مع تمثيل التعليم الخصوصي بنسبة 11%. وقد خصصت الوزارة ما مجموعه 1995 مركزاً امتحانياً وأكثر من 29 ألف قاعة، بمشاركة حوالي 50.600 مكلف بالتمرير، و43.000 مصحح.
وستُعلن نتائج الدورة العادية يوم 14 يونيو المقبل، في حين تقرر تنظيم الدورة الاستدراكية أيام 3 و4 و5 و7 يوليوز، على أن تُعلن نتائجها يوم 12 يوليوز 2025 و أمام تنامي ظاهرة الغش، يتعين تكثيف التنسيق بين مختلف الفاعلين: المؤسسات التعليمية، والأمن، والأسر، والمجتمع المدني، بهدف ترسيخ قيم النزاهة والمصداقية في صفوف التلاميذ، وضمان تكافؤ الفرص في هذا الاستحقاق الوطني المصيري فالغش في الامتحانات لم يعد مجرد تجاوز للقانون، بل بات أزمة تلامس جوهر العملية التعليمية، ما يفرض معالجة تربوية وقانونية شاملة لحماية المدرسة المغربية من كل ما يُقوّض مصداقيتها.