أظهر استطلاع حديث أجراه المركز المغربي للمواطنة صورة مقلقة عن واقع الفضاء العام في البلاد، وسط تنامي المخاوف من أن تؤثر جملة من السلوكيات السلبية بشكل سلبي على صورة المغرب أمام العالم خلال هذا الحدث الكروي العالمي.
الاستطلاع، الذي شمل عينة واسعة من المواطنين، كشف عن مستوى عالٍ من القلق الشعبي إزاء تفشي ظواهر مثل الغش التجاري، التسول، التحرش، وضعف احترام القانون والنظام العام. وتصدرت هذه المظاهر قائمة اختلالات تشوه الفضاء العام، وتعكس – وفق المشاركين – الحاجة إلى تدخل عاجل وشامل، لا يقتصر فقط على الردع القانوني، بل يشمل كذلك الإصلاح التربوي، والتحفيز المجتمعي، وتعزيز الوعي المدني.
و حل الغش في المعاملات التجارية والسياحية على رأس السلوكيات الأكثر إضراراً بصورة البلاد، حيث اعتبر 85% من المشاركين أن رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه أو تقديم خدمات ذات جودة متدنية، يشكل تهديداً كبيراً لسمعة المغرب كوجهة سياحية. كما عبّر 81.7% عن قلقهم من تفشي ظاهرة إلقاء النفايات وضعف النظافة في الأماكن العامة، معتبرين أن مشهد الشوارع المتسخة يتعارض تماماً مع تطلعات بلد يستعد لاستقبال ملايين الزوار من مختلف بقاع العالم.
و ظاهرة التسول المنظم، خاصة في المناطق السياحية والملاعب، نالت هي الأخرى حصة كبيرة من الانتقادات، حيث اعتبر 77% من المستجوبين أن التسول واستغلال الأطفال في هذا النشاط يسيء لصورة المغرب، ويزعج السياح ويخلق انطباعاً سلبياً عن واقع الفضاء العام. وبالموازاة، عبّر 69.6% عن قلقهم من التحرش اللفظي والجسدي بالسائحات، وهي ظاهرة قال المشاركون إنها قد تشكل نقطة سوداء خلال تنظيم المونديال إذا لم تتم معالجتها بصرامة.
و سيارات الأجرة، من جهتها، كانت محط انتقادات واسعة، خاصة ما يتعلق برفض تشغيل العداد، وفرض أسعار مبالغ فيها، أو انتقاء الزبناء، حيث رأى 73% أن هذه الممارسات تسيء للقطاع ولسمعة البلد. كما برزت مشكلة غياب المراحيض النظيفة في المناطق السياحية، إذ عبّر نفس النسبة تقريباً عن تخوفهم من هذا النقص البنيوي، مؤكدين أن البنية التحتية الموجهة للسياح يجب أن تكون على مستوى الحدث.
و الاختلالات لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية في الفضاء العام. فقد أشار 71.6% إلى غياب احترام النظام والطوابير في المواصلات، والملاعب، والمحلات التجارية. كما أشار 64.9% إلى وجود مضايقات في الشوارع والأسواق، و62% عبّروا عن استيائهم من الفوضى المرورية، خصوصاً تجاهل ممرات الراجلين، والقيادة المتهورة.
وعلى مستوى القيم المجتمعية، أشار 37.6% إلى وجود تعامل فظ وعدم احترام للاختلافات الثقافية، في مؤشر على ضعف التقبل والانفتاح.
ورغم هذه الصورة القاتمة، فإن نتائج الاستطلاع أظهرت بعض الجوانب الإيجابية، إذ عبّر عدد من المشاركين عن رضا متوسط بشأن سلوكيات متعلقة باحترام كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة. هذا ما اعتبره المركز فرصة لبناء تدخلات توعوية وتربوية فعالة قادرة على تحسين الوضع.
وأكدت الدراسة أن مظاهر مثل الغش، التسول، احتلال الأرصفة، والمضايقات أصبحت شبه مألوفة في الفضاء العام، وهو ما يتطلب معالجة لا تكتفي بالزجر، بل تعتمد على تأطير مستمر، ومقاربات تربوية، وتحفيز على الانخراط المجتمعي.
وشدد المركز المغربي للمواطنة على أن تنظيم كأس العالم 2030 يشكل فرصة ذهبية لإطلاق ورش حقيقي لترسيخ ثقافة السلوك المدني، شريطة أن يكون هذا الورش مصحوباً برؤية شمولية تستند إلى ثلاث ركائز رئيسية: التربية والقدوة، تفعيل القانون بشكل عادل وصارم، والتحفيز المجتمعي والمشاركة المواطنة.
ودعت الدراسة إلى إدماج التربية على المواطنة في المناهج التعليمية من خلال ربطها بالسلوكيات اليومية في المدارس، وتعزيز دور الأسرة في تنشئة الأطفال على الاحترام والمسؤولية. كما أوصت بإطلاق حملات تواصلية وطنية، تستهدف مختلف شرائح المجتمع، وتستثمر في وسائل الإعلام والمؤثرين لنشر ثقافة احترام الفضاء العام.
من أبرز التوصيات التي خرج بها المركز تعزيز الوعي بالقوانين المنظمة للسلوك في الفضاء العام. تبسيط إجراءات التبليغ عن السلوكيات غير المدنية وضمان حماية المبلغين إنشاء شرطة جماعية للقرب بصلاحيات واضحة لضبط النظام تحسين جودة الفضاءات العمومية وتوفير مرافق نظيفة تأهيل النقل العمومي لضمان الراحة وجودة الخدمة إشراك فعال لجمعيات المجتمع المدني في حملات التوعي و استحداث آليات لرصد وتحليل السلوكيات المدنية وربطها بمؤشرات التنمية.
و أوصى المركز باستثمار النجاحات الرياضية التي حققها المغرب، خاصة في كرة القدم، كمحفز لتعزيز السلوك المدني، داعياً إلى إطلاق حملة وطنية شاملة بالتوازي مع التحضيرات للمونديال، من أجل ترسيخ قيم الانضباط، الاحترام، والمسؤولية، وتحسين صورة المغرب دولياً.