شهد القطاع السياحي في المغرب خلال العام المنصرم تطوراً ملحوظاً، تُرجم إلى تفوق واضح على أحد أبرز المنافسين في المنطقة، مصر، في جذب السياح من مختلف أنحاء العالم. ورغم أن مصر لطالما اعتُبرت من الوجهات السياحية الرائدة على مستوى العالم العربي، بفضل تاريخها العريق ومعالمها الفرعونية الشهيرة، فإن المملكة المغربية استطاعت تحقيق قفزة نوعية، مكّنتها من استقطاب 17.4 مليون سائح خلال سنة واحدة فقط، متجاوزةً بذلك مصر التي استقبلت 15.7 مليون سائح، بحسب ما أوردته صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية.
ويكتسي هذا التفوق المغربي دلالة خاصة في ظل الظرفية التي تحقق فيها، حيث يأتي بعد عام واحد من تعرض المملكة لزلزال قوي ضرب منطقة الحوز قرب مدينة مراكش. ومع ذلك، تمكن المغرب من الحفاظ على جاذبيته السياحية، بل وتعزيزها، في وقت تواجه فيه مصر تحديات اقتصادية وأمنية، أثرت سلباً على تنافسيتها في السوق السياحية الإقليمية والعالمية.
و الخبراء في المجال السياحي يرون أن التفوق المغربي لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة لاستراتيجية وطنية فعالة ارتكزت على عدة محاور أساسية، أبرزها تنويع العرض السياحي، وتحسين جودة البنية التحتية، وتوسيع شبكة الربط الجوي، إلى جانب الترويج المكثف للوجهة المغربية في الأسواق الكبرى.
في هذا الإطار، يقول الزبير بوحوت، الخبير السياحي المعروف، إن “المغرب بلد سياحي بامتياز؛ إذ يزخر بمؤهلات طبيعية وثقافية متنوعة، ما يمنحه قدرة كبيرة على جذب شرائح مختلفة من السياح”. ويضيف: “من الصحراء في الجنوب، إلى الشواطئ المتوسطية والأطلسية، مرورا بالجبال والقصور التاريخية، والمآثر الإسلامية واليهودية، يجد السائح في المغرب تجربة فريدة تجمع بين الماضي والحاضر”.
كما يشير بوحوت إلى أن الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني المغربي في كأس العالم قطر 2022، ساهم بشكل غير مباشر في تعزيز الإشعاع الدولي للمملكة، وزاد من الإقبال على البحث عن الوجهة المغربية رقمياً، وهو ما انعكس في تدفق كبير للسياح خلال الأشهر التي تلت البطولة.
و عنصر آخر لا يقل أهمية ساعد المغرب على تعزيز مكانته السياحية، يتمثل في الاستقرار الأمني والسياسي الذي تنعم به المملكة. في هذا الصدد، يؤكد صلاح أوعلي، أحد الفاعلين في القطاع السياحي، أن “الموقع الجغرافي المتميز للمغرب، وانفتاحه على أوروبا، إلى جانب أجواء الأمن والاستقرار التي يوفرها للسياح، تجعل منه وجهة مفضلة خاصة في ظل التوترات التي يعرفها الشرق الأوسط وبعض دول شمال إفريقيا”.
ويضيف أوعلي: “السائح الأجنبي يضع الأمن كأحد أبرز معاييره في اختيار وجهته، والمغرب يتمتع بسمعة جيدة في هذا المجال، مقارنة ببعض الدول المجاورة التي شهدت في السنوات الأخيرة تراجعاً في جاذبيتها السياحية”.
ويُحسب للمغرب أيضاً نجاحه في تسويق صورته السياحية بشكل ذكي ومتعدد القنوات، حيث كثّفت المؤسسات والتمثيليات السياحية الرسمية من حضورها في المعارض والمنتديات الدولية، وسعت إلى توقيع اتفاقيات تعاون وتبادل مع أبرز الفاعلين في مجال الأسفار والطيران. كما شجعت الحكومة المغربية على رقمنة المحتوى السياحي، وتقديم صورة حديثة، شبابية ومتنوعة عن الوجهة المغربية، ما لقي تجاوباً لافتاً من الجيل الجديد من السياح.
ورغم هذا التفوق العددي في عدد السياح، يظل التحدي الأكبر الذي يواجهه المغرب هو زيادة العائدات السياحية وتحقيق مداخيل أكبر من العملة الصعبة. ففي الوقت الذي استقبل فيه المغرب عدداً أكبر من السياح مقارنة بمصر، فإن الأخيرة حققت مداخيل تجاوزت 14 مليار دولار من القطاع السياحي، وهي أرقام لا يزال المغرب بعيداً عنها.
وفي هذا السياق، دعا الزبير بوحوت إلى مضاعفة الجهود من أجل رفع القيمة المضافة للسياحة المغربية، من خلال التركيز على نوعية الخدمات المقدمة، وتشجيع السياحة الفاخرة، وتوسيع الاستثمار في التكوين الفندقي، والرفع من متوسط إنفاق السائح.
التوقعات الرسمية تشير إلى إمكانية استقبال المغرب لحوالي 21 مليون سائح بنهاية سنة 2025، إذا ما استمرت الدينامية الحالية بنفس الوتيرة. وهي أرقام إن تحققت، فستعزز مكانة المملكة كأول وجهة سياحية في إفريقيا، وتجعل منها قطباً إقليمياً وعالمياً في هذا القطاع الحيوي، الذي يمثل رافعة أساسية للاقتصاد الوطني.
في المحصلة، يظهر أن تفوق المغرب السياحي على مصر لم يكن نتيجة ظرفية، بل ثمرة رؤية استراتيجية متكاملة وواقعية، ارتكزت على عناصر جوهرية مثل الأمن، التنوع، الترويج الذكي، والتفاعل الإيجابي مع متغيرات السوق الدولية.