عرف عهد الملك محمد السادس تغييرات مهمة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي…وانعكس هذا إيجابا على موقع المغرب إقليميا ودوليا من حيث الريادة والمردودية الإقتصادية. ولا يستقيم الحديث عن الإقليم الذي ينتمي إليه المغرب جغرافيا وتاريخيا دون الحديث عن السياق العالمي ومكانة المغرب الجديدة دوليا. هذا الرصيد الجديد هي حلقات مترابطة تبدأ من سياسة المغرب الخارجية وتنتهي بالدبلوماسية الحكيمة تجاه القوى السياسية الإقليمية والدولية.
توجد الكثير من الأمثلة جعلت من صورة المغرب نموذجا يُحتدى به لبناء صورة على المستوى الإقليمي والدولي : (مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري”أواخر سنة 2012 بمدينة مراكش. مفاوضات الصخيرات التي جمعت بين أطراف الصراع في ليبيا والتي أسفرت عن اتفاق على تقسيم مناصب الدولة السيادية. دور المغرب في القضية الفلسطينية..وقوف المغرب إلى جانب الشعب اللبناني في انفجار مرفأ بيروت. تقديم المساعدات الإنسانية التي يقدمها المغرب لعدد من الدول الافريقية..دور المغرب في محاربة الارهاب والهجرة غير الشرعية…).
على المتلقي أن يتخلى عن الصورة النمطية لمغرب الداخل ليفهم أن للبلد وزن إقليمي ودولي. كما أن إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء لم يكن بمحض الصدفة بل من ورائه أمر عجيب قاده وعي وحكمة وتبصر أصحاب الرؤى.
ولا يتشابه مغرب الخارج مع مغرب الداخل، وهذه متناقضة خطيرة، وإن طالت! انعكست سلبا على المكاسب الخارجية. هذا يعني أن المعركة مع العدو الداخلي أخطر من أعداء الخارج، فإذا صلح الداخل والخارج انتصر المغرب وبلغ العُلا، ولكن للأسف التجربة السياسية ومن يقودها من مناضلي الأحزاب والنقابات وحتى بعض الإقتصاديين وأصحاب المال مازالو يغلبون مصلحة الذات على مصلحة الوطن إلا قلة قليلة، وهي الأخرى تعاني ويلات الحروب النفسية والرمزية من مثيلاتها من أصحاب سياسة شراء ولاءات التيارات المعارضة للدولة.
إنّ هذا النهج وبهكذا خُطط يتم صناعة امبراطوريات سياسية ومالية، وبرز الكثير منها في الأقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية ، وهي إمبراطوريات تمخض عنها مشاهد وصور وأحداث لم تعد الدولة اليوم قادرة على وقف امتداداتها، بل أن هذه الإمبراطوريات غالبا ما تكون ضد المصالح الاستراتيجية العليا للدولة (ملف الصحراء المغربية). إعتقدنا أننا قطعنا مع هذا النوع من الممارسات بعد سقوط جدار برلين ومع تجربة التناوب و مع العهد الجديد ومع دستور 2011. والحال عكس ذلك، يوجد دائما من يشد الى الوراء ويرفض المساواة والعدل والحريات والرقي والإزدهار والتطور والوعي…ويزيد من هذا الرفض تقاعس بعض الجهات بالرباط من خلال تعاملها مع بعض الإمبراطوريات بالصحراء بمنطق الامتياز le privilège ولو على سبيل الوطن وصورة الوطن..ولعل بعض المتابعات القضائية “المدروسة” والمُفبركة والتي تطال بعض السياسيين المعروفين باحترامهم لمقدسات هذا الوطن وإخلاصهم لتوابث هذه الأمة، لدليل على وجود أجندات خطيرة بالمنطقة ، وهذه الأجندات تُسقى جذورها من خارج البلد ، بل أن هذه المتابعات القضائية تحرّكها حسابات سياسية ونزوعات انفصالية، وللأسف يتأكد كل ما مرة وبالواضح استغلال القضاء واستعماله في التشويش على منتخبين وترجيح كفة آخرين، وهذا الملف يؤرق المشهد السياسي والحزبي والشفافية والمنافسة ويضرب عرض الحائط بدستور وقوانين المملكة وكذا القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، كما لا يمكن لأي متتبّع للملف الرائج بمحاكم الرباط إلا أن يستنتج أن هذه المتابعة من أغرب المتابعات القضائية في القرن 21 ، خصوصا أنها متابعة قضائية مؤسسة على شكايات جمعيات شبح وهيئات وهمية نشك حتى في وضعيتها القانونية وليس في وثائق هذا الملف ما يتبث صفتها ووضعيتها القانونية ، بل أصبح الرأي العام يتسائل بكثير من الحيرة والاستغراب عن تناول ملف داخل المحاكم ليس فيه أي متضرر ، بل سبق لهذا الملف أن حفظ من قبل قاضي التحقيق ، ليعيده البعض مرة أخرى إلى الواجهة بشكل مبهم وغير واضح ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أننا أمام “دولة داخل دولة” في الوقت الذي فشل فيه البعض على مواجهة ومنافسة الخصم بطرق مشروعة وديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع..وحتى أكون أكثر مصداقية ، فقد سبق لي شخصيا أن كنت في صف من كنا نسميهم ب “المحاربين للفساد” والمطالبين بالتغيير ربما هذا راجع للحس الشّبابي، ولكن لما تقربنا منهم وتعاملنا معهم عن قرب اكتشفنا أن أكثر من ثلثين منهم يشتغل في خدمة أجندات بعيدة كل البعد عن الحس الوطني ، ومنهم من يسعى خلف المجد السياسي الفردي ولا يهمه الحزب ولا الدستور ولا الوطن ولا الملك. ونجد آخرين يعتبرون بعض مناطق الجنوب المغربي لعبة وتسلية يشعلون بؤرا للتوتر وإعادة إحياء النزعة الانفصالية باعتبارها الطريقة السهلة لابتزاز الرباط وبالتالي الحصول على المناصب والامتيازات على نفس شاكلة مدن الجنوب المغربي (العيون والسمارة والداخلة وبوجدور).
وحتى نكون أكثر وضوحا ودقة يعمل هؤلاء المخربين جاهدين على إثارة الشّر وإشعال معركة كسر العظام ولي ذراع الدولة بطرح مواقف مثل : طرد الدولة المغربية بجهة كلميم وادنون أو على الأقل طرح “عَقد مغربة المنطقة” قابل للتجديد مقابل تجديد الامتيازات والريع بجميع أشكاله..وسأحيلكم على مثال بسيط جدا جدا جدا وهو أن أكثر من ثلثي هذه الفئة لو طُلب منها أن تضع صورة جلالة الملك في البروفايلات الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي والله لن يستطيعوا، لأن الخوف على صورتهم ومكاسبهم أمام أسيادهم خارج البلاد أكثر من حبّهم وتعلّقهم بسيادة ورمز المملكة المغربية. وأكثر من ذلك لديهم تنظيم عصابي خطير مُنظّم ومؤطّر على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي بحسابات مستعارة هدفهم الوحيد والأوحد هو مهاجمة المغرب والتآمر عليه والتربص بحقوقه المشروعة والتاريخية والقانونية…ثم أن هذا الملف القضائي الذي أصبح ورقة ضغط على الرباط لا يمكن فهمه والدخول في تفاصيله إلا إذا تطرقنا إلى موضوع في غاية من الأهمية وهو أولئك المتآمرين على المغرب بالخارج والمتجسّسين على السفارات والقنصليات المغربية بأوروبا وخصوم الوحدة الترابية بالخارج والمتربصين بالحقوق المشروعة لبلادنا ، هذا دون أن ننسى حقيقة الوقفة الاحتجاجية الذي هدّد بها البعض الدولة المغربية ، والتي كانت ستُنظّم أمام مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل تزامنا مع توقيع اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي..وبهذه المناسبة ومادام أن جهاز استعلاماتي/استخباراتي مغربي استطاع معرفة دخول زعيم البوليساريو لإسبانيا بجواز سفر جزائري مزوّر ، فنحن نُطالب من نفس الجهاز أن يستقصي ويأتينا بأسماء المتورطين في أحداث باريس وعلاقتهم بجهة وادنون وباللجوء السياسي ، وكذا العملاء والمتجسسين على السفارات والقنصليات المغربية بكل من فرنسا، إسبانيا ، بلجيكا ، هولندا وبريطانيا..وعلاقتهم بملف معين كان سيأتي للمغرب عن طريق سفارة المغرب بدولة x وأين اختفى هذا الملف !!؟؟
أختم وأقول، الإنتصار على الداخل هو أعظم أنواع الإنتصار، ومن لا ينتصر على مشاكله الداخلية وعلى نواقصه وعلى عقده الداخلية وتراكماته، لا/لن يستطيع أن ينتصر على أي شيء.
بقلم: لحسن أوبلا
فلاح مغربي