يبدو الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يحتكر السلطة منذ ثلاث سنوات وفاز الإثنين بولاية ثانية، مقتنعا بأنه مؤتمن على “مهم ة إلهية” لإنقاذ بلاده من “المؤامرات” الخارجية.
وأفادت هيئة الانتخابات التونسية بأن 2,4 مليون شخص، أي ما نسبته 90,7%، اقترعوا لصالح سعيد في انتخابات كانت نسبة المشاركة ضعيفة فيها وسجلت 28,8% وقاطعها الشباب بشكل كبير.
وانتخب سعيد (66 عاما) ديموقراطيا في العام 2019 بعدما رفع شعار “الشعب يريد”. وعبر طيف واسع من التونسيين عن ابتهاجهم عندما منح نفسه صلاحيات كاملة في 25 وليو 2021 لمحاربة الفساد.
بعد مرور ثلاث سنوات، تند د منظمة العفو الدولية “بتراجع مقلق في الحقوق الأساسية في مهد الربيع العربي” وبـ”الانحراف السلطوي”، مع تراجع على مستوى إنجازات الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي في 2011.
ويندد معارضون وناشطون تونسيون بحملة القضاء التونسي ضد شخصيات سياسية من الصف الأول ورجال أعمال وإعلام حاولوا تشكيل جبهة معارضة، فتم اعتقالهم، وبسجن نقابيين ونشطاء في منظمات المجتمع المدني وصحافيين معروفين.
ولا يزال أغلب هؤلاء في السجون ويحاكمون بتهمة “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، بعد أن وصفهم الرئيس بـ”الخونة وأعداء الوطن والإرهابيين”.
لم يقم سعيد ذو القامة الطويلة النحيلة والشعر الخفيف بحملة انتخابية، ويعو ل على زيارات سابقة قام بها بصفته رئيسا إلى الأحياء أو المناطق المحرومة حيث ندد مرارا بصوت عال يغلب عليه الغضب والتشنج بـ “المؤامرات” التي يحوكها “أعداء تونس” في الداخل والخارج.
ويصف صلاح العسالي (45 عاما)، الميكانيكي في منطقة أريانة حيث كان سعيد يقطن، لوكالة فرانس برس، سعي د بأنه “شخص جاد يعمل كثيرا، لكن الأيادي الخفية تعوقه باستمرار”.
ويقول عماد المحيمدي (45 عاما)، وهو نادل في مقهى يتردد إليه سعيد منذ أكثر من عشرين عاما وحتى بعد أن أصبح رئيسا، “يواجه العديد من المشاكل والمافيا والفساد، خلال حكمه وأعاد البلاد إلى المسار الصحيح وسينطلق القطار مرة أخرى”.
على مدى السنوات الخمس الماضية، نادرا ما عقد سعيد مؤتمرات صحافية أو مقابلات بالرغم من أن التونسيين عرفوه من خلال مشاركاته السابقة في البرامج التلفزيونية والإذاعية طوال فترة الانتقال الديموقراطي التي مرت بها البلاد بعد ثورة 2011.
واقتصر تواصله الإعلامي على البيانات الصحافية ومقاطع الفيديو على صفحة الرئاسة على موقع “فيسبوك”. وهو غالبا ما يحتكر الكلام أمام المسؤولين الحكوميين.
لا يتردد في أخذ القرارات. في غضون ثلاث سنوات، غير ثلاثة رؤساء حكومات وأقال عشرات الوزراء.
ويقول الناطق الرسمي باسم منظمة “المنتدى التونسي للحقوق والحريات” رمضان بن عمر، إن الرئيس “لا يؤمن بدور الوسطاء بين الشعب وبينه وهو يعتبر أن لديه مهمة إلهية ثورية” تتمث ل في “تحقيق إرادة الشعب”.
في كل مناسبة تتاح له عند لقاء الناس في الشارع، يعد سعيد بـ”حرب تحرير وطني وتقرير المصير” الجديد لتونس، لكن أفكاره ومشاريعه تظل غامضة وغير واضحة المعالم.
يتحد ث سعيد “إلى الناس بلغة لا يفهمها إلا نفسه”، وفق ما يقول الكاتب يوسف الصديق، عالم الأنثروبولوجيا الذي عندما التقى به بانتظام قبل انتخابات العام 2019، أذهله بلطفه وبقدرته على الإصغاء، وهو “ما يتناقض اليوم مع الصلابة” التي يظهرها