في أحد الأحياء الشعبية، دخلت فاطمة إلى متجر البقالة كعادتها، لكنها هذه المرة لم تكن لتشتري، بل لمعرفة ما إذا كان بإمكانها تسديد جزء من ديونها المتراكمة. وقبل أن تنطق بكلمة، بادرها صاحب المحل بابتسامة قائلاً: “لا داعي للقلق، لقد تم سداد ديونك بالكامل”. لم تصدق ما سمعت، وسرعان ما اغرورقت عيناها بالدموع، غير مستوعبة أن هناك من فكر بها وساعدها دون أن تطلب.
هذه اللحظة المؤثرة ليست سوى واحدة من عشرات القصص التي أصبحت شائعة بفضل “تحدي الكارني”، وهي مبادرة تضامنية تهدف إلى تسديد ديون الأسر المحتاجة لدى محلات البقالة. يقوم المشاركون في التحدي بتصفية حسابات بعض الزبائن غير القادرين، ثم يدعون آخرين للقيام بالمثل، مما يخلق موجة تضامن تتوسع بسرعة.
بدأت المبادرة في أحد الأحياء الفقيرة، حيث قام أحد المتبرعين المجهولين بتسديد فواتير عدد من الأسر التي تراكمت عليها الديون بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. نشر صاحب المحل القصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يمض وقت طويل حتى تبنى آخرون الفكرة، وبدأت تنتشر عبر المدن المختلفة.
يقول سعيد، وهو صاحب بقالة شارك في هذه الحملة: “في البداية، كان الأمر مجرد محاولة من أحد الزبائن لمساعدة بعض الجيران المحتاجين، لكن المفاجأة كانت في سرعة انتشار الفكرة. الآن، يتصل بي أشخاص من أماكن بعيدة ليسألوا عن قوائم الديون ويطلبون تسديدها”.
وفقًا لشهادات بعض المستفيدين، فإن هذا التحدي لم يكن مجرد مساعدة مالية، بل كان بمثابة رسالة أمل في أوقات صعبة. يقول عبد الرحمن، أحد المستفيدين: “لم أكن أتوقع أن يأتي شخص لا أعرفه ويدفع ما عليّ من ديون. هذا الموقف أعاد لي الثقة في أن الخير لا يزال موجودًا في مجتمعنا”.
تعتمد المبادرة على البساطة والسرعة في التنفيذ، حيث يتوجه المتبرعون إلى محلات البقالة ويطلبون سداد الديون دون الكشف عن هويات المستفيدين. في بعض الحالات، يطلبون فقط قائمة بالديون ويسددونها عبر التحويلات البنكية، مما يسهل عملية إيصال الدعم.
لكن رغم الجانب الإيجابي الكبير لهذه الحملة، هناك من يشير إلى أن الحل الحقيقي يكمن في معالجة الأسباب العميقة التي تؤدي إلى تراكم الديون على الأسر، مثل البطالة وغلاء المعيشة. يقول الباحث الاجتماعي خالد المنصوري: “مبادرات مثل هذه رائعة وتوفر دعماً مباشراً، لكنها ليست حلاً مستدامًا. ينبغي التفكير في سياسات اقتصادية تحسن الظروف المعيشية حتى لا يضطر الناس إلى الاستدانة لشراء الأساسيات”.
ومع ذلك، يظل “تحدي الكارني” نموذجًا قويًا على قدرة المجتمع على التكافل والتضامن، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الكثير من الأسر. في الوقت الذي قد تبدو فيه الحلول الكبرى بعيدة المنال، تبرز هذه المبادرات كأمل ملموس يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا في حياة المحتاجين.