محمد فارس
عقَد الرئيسُ الفرنسي [ماكرون] ندوةً بحضور سفراء [فرنسا] عبر العالم، وألقى خطابًا مطوّلاً نقلتهُ جلّ وسائل الإعلام مباشرة، وفي كلمته المطوّلة هذه، يوم الخميس (01 شتنبر) الجاري، قال [ماكرون]: كيْف تكون [تركيا] القوّة العالميةَ الوحيدةَ في الحوار مع [روسيا] بدلاً من [فرنسا]؛ ثمّ أضاف أنّ هناك من يريد تفكيكَ [أوروبّا] وإضعافَها، ثمّ أكّد أنّ [فرنسا] ستتّفق مع حلفائها، وكان يعني [ألمانيا] و[إيطاليا] للتّواصُل مع [روسيا]، وأنّه لن يَسمح بتلك الأخلاق الزّائفة التي تريد تَجريدَ [أوروبّا] من قوّتِها، وقد تَظاهر [ماكرون] طيلة كلمته بالعنتريات بواسطة عبارات قوية تمرَّس بها وصار يجيدها إلى أقصى الحدود، لكن الملاحظ هو أنّه، أبدًا، لم يذْكُر من هو هذا الذي يريد تفكيكَ [أوروبّا] من قوّتِها، ومن هو هذا صاحبُ الأخلاق الزّائفة التي تريد تجريدَ [أوروبّا] من قوّتها؛ إنّه وبكل بساطة [الولايات المتّحدة الأمريكية]، لكنّ [ماكرون] ، لم يذْكُرها بالاسم ولو مرّة واحدة، وأنّه تَجنّب الحديثَ عن أسياده الأمريكان..
لقد ذكَر [ماكرون] كثيرًا اسم [تركيا] في خطابه، فهو يغار منها لِلدّوْر الذي تقوم به خلال الحرب الرّوسية الأوكرانية؛ [تركيا] هي الدّولة الوحيدة التي لم تنفِّذْ أيّةَ عقوبة ضدّ [روسيا]، الشيء الذي خدَم اقتصادها، وجنّبها الصُّعوبات التي تعاني منها [فرنسا] و[ألمانيا].. [تركيا] هي التي أشرفت على مرور السّفن الأوكرانية المحمّلة بالقمح نحو عدة بلدان، ممّا جعلها أقرب إلى [بوتين] من أية دولة أوروبّية أخرى، وهي قيمة ومصداقية هيهات أن يبْلُغها مثلا [ماكرون] الذي ظهر بلدُه [فرنسا] بأنه بلد ضعيف وبلا موارد، وقد أعلن منذ أيام للفرنسيين أنّ زمنَ الوفرة قد انتهى وقد تعالت أصوات فرنسيةٌ تطالب بِـ[فرنْكسِيت] على غرار [بريكْسِيت] وهو ما يعني خروج [فرنسا] من الاتّحاد الأوروبّي الذي تداعت صورتُه، وظهر ضُعْفُه، وتأكّدت هشاشةُ سياستِه بعد الحرب في [أوكرانيا]، والجفاف، والحرائق، وشُحّ الموارد..
لقد نَزل [ماكرون] الذي لا أغلبيةَ له في الجمعية الوطنية (البرلمان)، نَزل بِـ[فرنسا] إلى مستوى [السّعاية] يعني التّسول، حيث يتسوّل في الخليج العربي الذي أخبره بأنّه لا يمكنه مضاعفة إنتاج المحروقات؛ ثمّ ذهب يتسوّل في [الجزائر]، فكانت الزّيارة تعجُّ بالشّكليات وخالية من الإيجابيات، والكلّ يعْلم اليوم أكاذيبَ [ماكرون] وادّعاءاتِه وقد رأينا ما فَعَلَ مع [لبنان] حيث أعطى وعودًا زائفةً لا أقلّ ولا أكثر، ثمّ صمتَ في النّهاية ولم يفْعل شيئًا لشعب [لبنان]؛ وفي [إفريقيا] صار نفوذُ [فرنسا] يَخْبو، وبدأ نجمُها بالأفول وتَحوّل إلى ثُقبٍ أسودَ؛ وفي [غينيا بيساو] استُقْبل [ماكرون] بالسُّخط وبعبارة [اِرْحَل]؛ أما في [مالي]، فقد طُردَتْ [فرنسا] شَرّ طردة، وعندما عاد من [الجزائر] صرّحَ بأنّه يودُّ زيارة [المغرب] في نهاية شهر أكتوبر، فأجابه المغاربةُ قاطبةً: [لا حاجة لنا بك]، لأنّه يعلم عِلْم اليقين ماذا عساه يخسِر لو خسر [المغربَ] بسياسته الرّعناء، واندفاعِه غيرِ المحسوب، ونحن نلاحظ الطّريقة الباردة التي يعاملُه بها [بوتين]، لأنّ هذا الأخير يرتكز على قوّته العسكرية، وموارده النّفطية، ومحصولاته الزراعية..
[روسيا] لا تُقيم وزنًا لدولة [فرنسا]، فمساحة [روسيا] تقدّر بـ(17) مليون كيلومتر مربّع، وبها موارد نفطية، ومعادن، وثروات هائلة، فيما [أوروبّا] برمّتِها لا تتعدّى مساحتُها (06) ملايين كيلومتر مربع، وقدِ انهار اقتصادُ [ألمانيا] وصارت تعيش ظلامًا دامسًا، أمّا [فرنسا] فقد صارت من دول العالم الثالث الفقيرة، وقد جفّتْ فُرشَتُها المائية ونضبتْ أنهارُها، وخلتْ محلاّتُها من وفرة الموادّ، والذين سيصابون بصدمة شديدة بهذا الواقع المرّ الذي تعيشه [فرنسا]، هم أولئك العملاء، ولوبيات الفرنْسة، وخدّامها ممّن ما زالوا يدافعون عن لغتها، ويتَفَدْلكون بفرنسية ميِّتة، ويعْملون على تقليد [فرنسا]، ويتشبَّهون بأخلاقها، ويعتمدون نفاقَها، ويستنسخون رذائلها، ويقيمون مؤتمرات الفرانكوفونية في بلادنا، ويُحْيون فيها ذكريات الفترة الاستعمارية البغيضة؛ ومعلوم أنّ مشاكلنا، ومصائبنا، والإشاعات المغرضة التي تستهدف تاريخنا وتمسّ مقدّساتِنا كلُّها تأتي دومًا من [فرنسا]، والتّاريخُ يشهد على ذلك بالأدلّة والحجج القاطعة.. لقد أساءت لنا [فرنسا] كثيرًا، وقد صار من الضّروري محاربة عملاء [فرنسا] في بلادنا، ولـمَحْوِ أثرها كما محَا الڤيتناميون الأحرار كلَّ ما كان يرمزُ لِـ[فرنسا] وفترة استعمارِها البغيض..