يوم الخميس بدأت السنة الثانية على الانتخابات، فالثامن من شتنبر كان يوما اتجه فيه المغاربة إلى صناديق الاقتراع، تحت قصف مباشر من الوعود، التي نزلت كالرعود، حيث انفرط عقد الأغلبية السابقة، وتم تحميل المسؤولية الكاملة لحزب وحيد، بينما الحزب، الذي كان يحوز على وزارات مهمة، صعد إلى الجبل وحمل خطاب المعارضة، واليوم ونحن في السنة الثانية من انتخابات مجلس النواب، حيث أصبح أمامنا الوقت الكافي لتقييم تجربة حملت كثيرا من الوعود.
يقول غابريال تارد في كتابه “الجمهور والرأي العام” متحدثا عن الوعود التي يطلقها السياسيون في فرنسا القرن التاسع عشر (الكتاب صادر سنة 1902) “ومن سوء الحظ أن هذه الالتزامات، حتى الأكثر جدية منها، هي إرادات بسيطة أحادية الجانب، وغير مقيدة بالمعاملة بالمثل لعهود متزامنة، ووعود بسيطة غير مقبولة أو ممكنة القبول، وبالتالي فهي خالية من أي عقوبة قانونية”. للأسف الشديد لم يصدر أي قانون ملزم للسياسيين حول الالتزام بوعودهم، وبما أن الأمر لا عقوبة قانونية فيه فهو متروك لأخلاق السياسي. وهل كانت للسياسي أخلاق؟
أطلق الحزب، الذي تنصل من مسؤولية مشاركته في الأغلبية السابقة، وعودا لا حصر لها ووعد بأرقام فلكية من التعويضات والزيادات في الأجور، غير أنه بعد حصوله على الأغلبية ترك الزيادة في الأجور وزاد في الأسعار.
مرت الانتخابات في ذلك اليوم، ووقع الحزب، الذي قاد الحكومة، في سقوط حر، ومن 125 مقعدا لم يحصل سوى على 13 مقعدا، وحصل شريكه الرئيسي في الحكومة على الرتبة الأولى، وشكل أغلبية مريحة من ثلاثة أحزاب فقط، جمعت هذه الأغلبية أغلبية المقاعد النيابية.
أغلبية ليست لها معارضة قوية، فحزب يلملم جراح سقوطه وآخر يجرب المعارضة لأول مرة وثالث مطرود إلى المعارضة بعد أن استجدى الدخول إلى الحكومة، ومع ذلك لم تقدم الحكومة شيئا وبقيت الأمور على حالها، بينما ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وخصوصا أسعار المحروقات، التي قالت عنها الحكومة إنها ناتجة عن ارتفاع الأسعار دوليا وأنه لم يعد أمامها ما تقوم به.
فإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن بريطانيا، التي يسعى البعض اليوم إلى اتخاذها نموذجا بعد نهاية عصر النموذج الفرنسي، انتخبت رئيسة وزراء جديدة وفق القواعد المعمول بها هناك، ومباشرة بعد تنصيبها اتخذت قرارا من الجرأة بمكان، ويتعلق بتجميد أسعار المحروقات لمدة سنتين.
بريطانيا دولة عظمى ولديها ثروة هائلة ناتجة عن الصناعات والتجارة الدولية، بينما المغرب بلد ناهض ويعاني من معيقات كثيرة. في بريطانيا الأجور عالية، ومع ذلك لم يتمكن المواطنون من استيعابها فكيف بأهل المغرب؟ لا يمكن مقارنة الحد الأدنى للأجر هنا وهناك. فلماذا لا يقوم أخنوش بتقليد ليز تراس رئيسة الحكومة البريطانية في هذا الشأن وإذا قلدها سيكون له شأن عظيم.