محمد فارس
[سطوليبّين]: في سنة (1906)، أراد القَيصَرُ الرّوسي [نيكولا الثّاني] أن يُحْدث تغييرات جذرية في البلاد، ومحاربة المحسوبية والفساد، فاختار لهذه المهمّة رجلاً عُرفَ بوطنيته الصّادقة، وباستقامته، وبكراهيتِه للفساد والمفسدين، فعيّنَ رئيسًا جديدًا للحكومة اسمُه [سطُوليبّين]، قال في شأنه المؤرّخون إنّه كان رئيسَ حكومة لم تشهد [روسيا] مثيلاً له عبْر تاريخها.. بدأ بإلغاء امتيازات ذوي النّفوذ، وحاربَ الأثرياءَ الذين لا يهمُّهم مستقبل البلاد، بل همُّهم جَمْع الثّروات، واغتنامُ الفرص لتضخيم ثرواتهم على حساب الشّعب، فوزّعَ الأراضي على صغار الفلاّحين بعدما كانت في أيدي مَلاّكين يستعبدون الفلاّحين بالأجر الضّئيل، فاستاء من سياستِه المنتفعون من الفساد، فقَرر [سطُوليبّين] تقديمَ استقالتِه للقيصر، فرفضها قائلاً له: [إنّي أنا الذي عينتُكَ؛ استمِرْ في عملِكَ]؛ لكنّ أصحاب المناصب الذين أعفاهُم [سطُوليبّين] وأصحابُ المكاسب الذين حرمَهم من ثروات الدّولة، لم يَهدَأْ لهم بال ما دام هذا الرّجُل يتحكّم في الوضع وله سلطة منَحه إيّاها [القيصر] لإخراج البلاد من أزمتِها؛ وذات ليلة من شهر (شتنبر 1911) في قاعةٍ كان يوجَد فيها حتى القيصر نفسه، اغتيلَ [سطُوليبّين] بطلقة نارية وتمّ التستُّر على القاتل، فعادتِ الأوضاعُ مجدّدًا إلى ما كانت عليه من فسادٍ وتخوُّضٍ في ثروات البلاد حتى عمَّها ظلامٌ شديدُ الحُلْكَة..
[فرانْكلين روزْڤلت]: في سنة (1929) هزّ إعصارُ الأزمة الاقتصادية كافّة أرجاء الولايات المتّحدة، ووصل تأثيرُ هذه الأزمة إلى [أوروبّا]، ففشتِ البطالةُ، وأقفلتِ المعاملُ أبوابَها، ونزلتْ قيمةُ الدّولار إلى الحضيض، فعمَّ اليأسُ، وفشى الفقر، وتساءَل الأمريكيون عمّا أصابهم فجأةً، وصار الأغنياءُ فقراء وهمُ الأصل في هذا الزِّلزال الذي أصاب البلاد، فصارتْ [أمريكا] تبحث عن مَخرج، وكان لابدّ لها من البحث عن حكيمٍ يُنقذها.. كان هذا الحكيمُ هو الرئيسَ [فرانكلين روزڤلت]، حيث نال (20 مليون) صوت، فيما نال منافسُه [هوڤَر] (14 مليون) صوت.. لاحظ الأمريكيون جدّية المرشّح، وصدْقَه، ونيّته في إخراج البلاد من أزمتِها، فمنحوه أصواتَهم دون [قُفَف رمضان] أو وُعود وهمية..
في أول خطابٍ له أمام الشعب قال: [أيُّها الأمريكيون، حياةٌ جديدة وسعيدة ستَبدأ]؛ ولم يكُن الرّجُل يكْذب، ولم يقُلْ لهم: [ليست لي عصًا سحرية]، بل كان صادِقًا، وثِقًا من قدُراتِه، وكان له خيال، وحِكْمة؛ مثل هؤلاء تحتاجهم الأممُ في أزماتِها الخانقة، وليس أولئكَ الذين يغتنمون الأزمات لتضخيم ثرواتهم على حساب الشّعب المقهور.. أصبح [فرانكلين روزڤلت] رئيسًا للولايات المتّحدة في يوم (09 نونبر 1932)، وما كادت تحلّ سنة (1940)، حتى كانت [أمريكا] دولةً قويّةً اقتصاديا، وصناعيًا، وعسكريًا، وللتّدليل على نجاعة سياسة هذا الرّجل هو أنّه تولى قيادة سياسة بلاده عدّة مرات، لكنّ الولاية الرابعة لم يُتْمِمْها حيث مات في (12 أبريل) من سنة (1945)، فخلفَه نائبُه [ترومان]، وانتصرت [أمريكا] في حربها ضدّ النّازية في [أوروبّا] وفي حَربها في الباسِفيك ضدّ [اليابان]، وبعْد الحرب صارتْ دولةً عظمى بلا منازِع..
[الـمُهَاتْما غاندي] أي (الرّوح الزّكية): قاد بلاده إلى الاستقلال من دون إطلاق رصاصة واحدة أو إراقة قَطْرة دَمٍ واحدة.. كان يُحرجُ الاستعمار البريطاني بإضراباتِه عن الطّعام، وكان مفاوضًا لا يملّ، فحرّر بلدَه بالحِكمة التي أخذها من الحكيم الصّيني [سُون زُو] الذي كان يَرى أنّ مُحاربة الاستعمار بدون سلاح تكمُن في عدم التطبّع بأخلاقه، بل يجب السّخرية منها مع عدم استهلاك منتوجاتِه؛ وهكذا، علّمَ [غاندي] شعبَه كيف يحُوك ويَخيط ملابسَه، وكيف يَستخرج الـمِلْح، وكيف يقاطِع سِلَعَ الاستعمار، وبالحكمة والصّبر، نال استقلال بلاده واحترامَ العالم بأسره.. من الغريب في الأمر، أنّه كان يردِّد بلا كلل عبارةَ [أبي ذَرٍّ الغِفاري] وهي: [ما زادَ عن الحاجة، فهو سرقة].. ساهمَ [غاندي] في انفصال [الباكستان] عن [الهند]، وصارتْ دولةً إسلامية مستقلّة سنة (1947)؛ كما ساهمَ في تهدئة الفتن الدّينية، ولكنّ متطرّفًا هِنْدوسيا لم تُعْجبْه سياسة [غاندي]، فاقترب منه وكأنّه يريد أن يصافحه فأطلق عليه النّار في (30 يناير 1948)، ورحل الحكيمُ إلى متواه الأخير بعدما ترك بلادَه حرّةً، مستقلّةً، وعلّمَ شعبه عدّة أشياء إيجابية؛ غاب [غاندي]، ولم تَغِبْ ذكراه عن النّاس، وأحبّه حتى الذين سمعوا عنه ولم يروْهُ.. يموت الكذبَةُ، والخدّاعون، وتُنْسيهم الأيامُ، ويغشّيهم غبارُ الحياة، لكنّ الحُكماء يظلّون خالدين، يتلَألؤُون منارةً في التاريخ بأعمالهم، وحكمتِهم، وأقوالِهم؛ هؤلاء هم الذين يُنقذون الأمّةَ، ويَبحُرون بسفينتِها إلى شاطئ الخلاص، وليس الدّهماء، عبدةُ المال، والمستأثرون بالثّروات على حساب الفقراء، والمقهورين؛ هؤلاء لا حاجة لنا بهم..