محمد فارس
أعتقد أنّ القارئ الكريم الذي قرأَ مقالتَنا السّابقة حوْل [حِزب بلوم] الذي ينادي بإشاعة العلاقات الجنسية الرّضائية، قد تساءَلَ إنْ كان هذا الحزبُ قد ظهَر في التّاريخ العربي قبْل ظهور زعيمِه [بلوم] في القرن العشرين في [فرنسا]، وجوابُنا هو: نعَم! وقبْل الإجابة عن هذا التّساؤُل، أودّ أن أذكِّر بقصّة [عمَر] و[عليّ] وتَصرّفِهما مع من يحلِّلُ الحرام ويُشيعُه في الأمّة عَلنًا محاولين الإقناعَ بآياتٍ من القرآن الكريم، وحاشا ذلك.. في عهد [عُمر بن الخطّاب] رضي الله عنه، كثُرت الفتُوح، وكثُرت الغنائم، وكثُرت الأموال في أيدي النّاس، فتعوّدوا على حياةِ التّرف، وأَقْبل بعضُهم على شُربِ الخمر، وكان من بيْنهم [أبو مِحْجَن]، وهو فارسٌ مِغْوار، شارك في كثير من الغزوات، فلـمّا بلَغ [عُمَر] أنّ [أبا مِحجَن] وجماعة من صَحْبه يَشْربون الخمْر جهارًا وعلانيةً أمام الناس، استدعاهم [عمَرُ] وكان معه في مقرّ الخلافة [عليّ] كرّم الله وجْهَه.. فقال لهم [عمَر]: [أشَرِبْتُم الخمْر بعد أن حرّمها الله ورسولُه؟!]؛ فقالوا: [وما حرَّمَها الله ولا رسولُه] (وهو ما يعتقده حتى سِكّيرُو هذا الزّمان)؛ وتلَوْا عليه قولَه تعالى: [ليس على الّذينَ آمنُوا وعَمِلوا الصّالحات جُناحٌ فيما طعمُوا، إذا ما اتَّقوا وآمنوا وعَمِلوا الصّالحات] الآية (93) من سورة (المائدة)؛ فسكتَ [عمَرُ] ثمّ التفَتَ إلى [عليٍّ] كرّم الله وجهه، وقال لهُ: [ما رَأْيُكَ في ما يَقُولون؟]..
قال [عَليّ] كرّم الله وجهه، بعدما أنكَر عليهم ما يقولون، وأضاف ساخِرًا: [يا أميرَ المؤمنين، إنْ كانت هذه الآيةُ تُبيحُ لهم شُرْبَ الخمْر كما يقولون، فينبغي أن يَسْتَحِلُّوا الدّمَ ولحْمَ الخِنزير]؛ فقال [عُمر]: [ما ترى فيهم يا أبا الحسَن؟]؛ فقال: [إنْ كانوا قدْ شرِبُوها مُستحلّيـنَ لها، أنْ يقْتلوا، فقد حلَّلوا ما حرَّم الله؛ وإنْ كانوا قد شَرِبوها وهم يُؤْمنون أنّها حرام، أَنْ يُحَدُّوا]؛ فقالوا عندما رأوْا أن السّيفَ قد خرجَ من غِمْدِه إلى النِّصف: [والله ما شكَكْنا في أنّها حرام، ولكنّنا قدّرنا أنّ لنا نجاة فيما قُلناه].. وإذا أخذْنا بالقياس، فإنّ مَن يَشْرب الخمر، وهو يعْلم أنّها حرام، كمثل من يبيحُ العلاقات الجنسية الرّضائية باعتبارها زنا، وهو يعْلَم أنّ ذلك حرام، لكن أين هو الفقيه الذي يستطيع أن يَنطقَ بهذه الفتوى؟ والله عزّ وجلّ يقول عن الزِّنا: [إنّه كان فاحشةً وساءَ سَبِيلا] صدق الله العظيم.
وجَوابًا عن تساؤل القارئ، إنْ كان التّاريخُ قد عرف مثْل هذه الرّذائل، نقول إنّ [مُسيْلمَة الكذّاب] الذي ادَّعى النّبوةَ كان كلّما سأله مَن آمنوا به: [وماذا تقول في الخمر يا نَبيَ الله؟]، أجابهم: [هو حلالٌ لكم].. [وماذا تقول في الزّنا؟]، أجاب: [هو مباحٌ لكم]؛ وهكذا، حتى صارت كلّ المحرّمات حلالاً إلى أن قُتِل لعنه الله، وحاشا قبْره نارًا.. كانت أساليبُ الفاحِشة متعدّدة أيام الجاهلية، فكان يَفتخر بها رجال، وكانت مواليد لا يُعْرفُ آباؤُهم، وقد شاع نكاحُ الاستِبْضاع، حيث يرسل الرّجل زوجتَه أوِ ابنتَه لتَسْتبضع من رجلٍ آخر، كما شاعَ نكاحُ السّفاح، ونكاحُ الرَّهْط، وهو أن يتناوبَ رجال في الحرام على امرأة.. لكن السّؤال: هل ظهر في الإسلام فرقٌ تُشيعُ الرّذيلةَ كما هو شأْنُنا االيوم؟ الجواب: نعم، وبالتأكيد! إن حزب [بلوم] الذي بدأ ينشَأُ في بلادنا، تساعِدُه وسائل إعلام منحرفة، ومضلّلة، يوجَد شبيهٌ له في التّاريخ، يتمثّل في فرق منحلّة، نذْكُر بعضًا منها كأمثلة ذكَرها التاريخُ منها مثلاً:
فِرقة [الرّاوندِيَة] نسبةً إلى (ابن الرّاونْدي)، كان فيلسوفًا يُجاهر بالإلحاد.. هؤلاء الرّاوندية، استَحلُّوا الحُرمات، فكان الرّجلُ منهم، يَدعو الجماعةَ إلى مَنْزله، فيُطعمُهم، ويَسقيهم، ويَحْملهم على امرأتِه، فبلغ ذلك (أَسَد بْن عبد الله) فقتلهم، فلم يزَلْ ذلك فيهم إلى اليوم، ولعلّ دعاةَ العلاقات الجنسية الرّضائية فرقَة مُمَوَّهة منهم، لأنّ الفاحشة تجْمعهم، ومن يَدْري! فرقَة [البابِكيَة]: هو اسمٌ لطائفة منهم، تبعوا رجلاً يُقال له (بابِك الخُرَّمي)، وأصلُه ابن زِنى، ظهَر في بعض الجبال بناحية (أَذْربيجان) سنة إحدى ومائتين، وتبِعه خلقٌ كثير، واستفحل أمرُهم، واستباحَ الزّنا، والمحظورات، وكان إذا عَلم أنّ عند أحدٍ بنتًا جميلة أو أُختًا جميلة، طلبَها لعلاقةٍ رضائية، وإذا رفضَ الأبُ، قَتله، وأخذها بالقُوة، وبقي عَلى ذلك حتى قتلَه (الـمُعْتصِم) بعدما قطَعَ يديْه ورجْلَيه.. فرقة: [الخُرّميَة]، لفظٌ أعجميٌ يُنْبي عن الشّيء الـمُسْتلذّ، المستطابُ الذي يَرتاح له الإنسان، ومقصودُ هذا الاسم تَسْليط الناس على اتّباع اللّذات، وطلب الشّهوات كيفما كانت، وطيّ بساط التّكليف، وحطّ أعباء الشّرع عن العباد، وقد كان هذا الاسمُ لقبًا لِلْمَزْدَكية، وهم أهلُ الإباحة من المجوس الذين شنعوا في أيام (قباذ)، وأَباحوا النّساء المحرّمات، وأحَلُّوا كلّ محظور من زِنَا وكلِّ الموبقات.. وهناك فرقٌ أخرى، وطوائفُ ضالّة ومنحرفة، والحيّزُ لا يتّسِع لذِكْرها جميعها، فمعذرة! فأصحابُ العلاقات الجنسية الرّضائية هدَفُها تحطيم الأُسرة، وتدمير الأمّة بواسطة تدمير الأخلاق والقيَم، وهي تعاليمُ منظّمات هدْم الأمم، وصرْف النّاس عن الأخلاق والنّزول بهم إلى مستوى البهائم.. ثم ماذا؟ اللّهمّ إنّنا نبْرأُ إليكَ منهم! اللّهمّ لا تَحْشُرنا معهم يوم لقائِك! اللّهمّ اكْفِنا كيْدَهم، وشُرورهم، واحْفَظِ الأمَّةَ مِن سمومهم، يا ربّ! آمين!