محمد فارس
يُعتقَد أنّ (24 أبريل 1915) هو اليوم الذي حدثت فيه إبادة (الأرمُن) من طرف (الأتراك).. فمثلا [فرنسا] اعترفت رسميًا بهذه الإبادة المزعومة سنة (2001)، وكان من ورائها لوبيّ أرميني تزعَّمه المغنّي الفرنسي من أصل أرميني هو [شارل أزناڤُور]، بالإضافة إلى كوْن سياسيين، وحكوميين فرنسيين من أصل أرميني.. وها هو الرئيس الأمريكي [جو بايْدن] يعترف هو كذلك يوم (24 أبريل 2021) بهذه الإبادة التي ليس عليها أيُّ دليل تاريخي موثوق، وإنّما صارت مسألةً سياسية تُستخدم متى دعتِ الحاجةُ إليها؛ ونحن نقول للرئيس الأمريكي الجديد إنّ فيلسوفهم الشّهير [ثُورو] قال: [السّؤال ليس هو ما تنظر إليه، بل ما تراه]؛ و[بايدن] نظر، ولم يَرَ شيئًا بدليل أنه يحاسب جيل القرن (21) بما اقترفه أسلافُهم سنة (1915) في الحرب العالمية الأولى..
نسب الرئيسُ [بايدن] كغيره من رؤساء الدول الغربية، هذه الإبادة إلى [الإمبراطورية العثمانية] في سنة (1915)، ولكنْ هذه الإمبراطوريةُ كانت قدِ انتهت سنة (1909) بعدما تمّ عزلُ السّلطان [عبد الحميد] وتمّ سجنُه في محفل [سالونيك] إلى أن وافاه الأجل.. يقول [جُرْجي زيْدان]: [إن الماسون خلعُوا السلطان [عبد الحميد] لأنّه كان يدرك خطرهم على الأمّة، وإنّ خلْع السّلطان كان مجْدًا للماسونية].. ومعلوم أنّ اليهودي [قراصُو] كان من بين الأشخاص الذين بلَّغوا السّلطانَ قرارَ عزْله.. فمنذ عام (1909) لم يَبْقَ من الأمبراطورية العثمانية إلا الاسم فقط، وصار السّلطان مجرد صورة جامِدة لا حسّ فيها ولا حياة، وصارت [تركيا] تدارُ بطغْمة عسكرية ماسونية مقيتة، ومن ثَمة والعسكر يحْكمون البلادَ بيدٍ من حديد، ويوم انتُخب رئيسٌ مدنيٌ يُدْعى [المنْدَريس] انقلبوا عليه وأعدموه أوائل السّتينيات؛ لكن السّؤال المطروح هو: لماذا لم تُطْرحْ أبدًا هذه الإبادةُ في أيام العسكر والديكتاتورية في (تركيا)؟
الطّغمة العسكرية الماسونية في (تركيا) ارتَكبت مجازرَ وإبادات في حقّ العرب والمسلمين في [الشّام]، وكانت [فرنسا] قد دفَعت رشوةً لِـ[تركيا] لكي لا تساعدَهم في حربهم ضدّ الاستعمار الفرنسي، فنالتْ [تركيا] مدينةَ [الإسْكانْدَرونَة] العربية كرشوة من [فرنسا]، وكان القنصلُ [جورج بيكو] قد تركَ عُنْوة ملفّا على مكتبة قَبل مغادرتِه [بيروت]، وكانت به قوائم بأسماء مفكّرين، ومثقّفين، وفلاسفة، وأُدباء أعدمتْهم [تركيا] جميعهُم واقترفَتْ مجازرَ وإبادات لا أحدَ يذْكُرها كما تُذْكر إبادة الأرْمُن المزعومة.. لقد عاثَت [تركيا] الماسونية فسادًا، وقتلاً، ونهبًا في البلاد العربية، والمؤرّخون يفصّلونَ ذلك ولا يَذْكرون إبادةَ الأرمُن التي يقولُ بها السّياسيون والإعلامُ الـمُضلّل لحاجةٍ في نَفْس (يعقوب).. ويتحدّثون عن الشّتات بالنسبة إلى الأرمُن، ولا يهتمّون بشتات الفلسطينيين.. الأرمُن صارت لهم دولة هي [أرمينيا] وعاصمتُها [إيرْڤَان] حتى صارت دولةً عدوانية بدليل احتلالها لإقليم [ناغُورْني كَرابَاخ] فحوّلتِ المساجدَ إلى حظائر لتربية الخنازير حتى حرَّرتْه قواتُ [أذْربيجان] المسلمة منذ أقلّ من ثلاثة أشهر بعدما طال الاستعمارُ الأرميني (30) سنة..
نحن لا ندافع عن [تركيا]، لكن ضالّتُنا الحقيقة التّاريخية؛ ونحن نسأل [بايدن] عن إبادة المسلمين بالقدس خلال الحروب الصّليبية؛ وماذا عن مجزرة (صبرا وشتيلاّ)؟ وماذا عن مذبحة [قانا]؟ وماذا عن الحادث الـمُفجع الذي يُدْعى مَجزرة [البُراق]؟ وماذا عن مذبحة [نابليون] على الشّواطئ المصرية؟ وماذا عن الإبادة التي اقترفَها [الصِّرب] في حرب البلقان في [سِبْرينيتْشا] والقبور شاهدةٌ على ذلك؟ وماذا عن إبادة المسلمين على يد [إيزابيلاَّ] في الأندلس؟ وماذا عن مجازر [فرنسا] في [ڤيتنام] وفي دول المغرب العربي؟ وماذا عن مجازر الإيطالي [بادوغلْيو] في [الصومال]، و[الحبشة]، و[إيريتيريا]؟ وماذا عن مذابح [غرازياني] في [ليبيا]؟ وماذا عن مجازر النّازيين ضدّ الغجر، وقد قُتِل منهم أضعاف ما قُتِل من اليهود؛ والغجر المساكين، هم أهل لغة، وفنّ، وأصالة، وما زالوا يعانون الأمرّيْن في [هانغاريا، وبلغاريا، ورومانيا] وحتى في [فرنسا] حقوق الإنسان الكاذبة؟ لكن أعْظم وأضْخم إبادة هي التي تَعرضَ لها الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، وتحطيمُ حضارة [الأزتيك] في (المكسيك)، وحضارة [الأنكاس] في (البيرو) على يد الإسبان.. عن أيّة إبادة تتحدّثون يا ميستر [بَايدَن] وقد كان عليكم أن تقوموا بالنّقد الذاتي، وبالاعتذار للإنسانية جمعاء على ما اقترفتم من إبادات ضدّ أناس تَعتبرونهم دون مستوى الإنسانية.. كان عليكم أن تُدينوا الإبادةَ التي تقترفها [إسرائيلُ] الآن ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل لو كنتم صادقين؛ ولكن للأسف الشديد كما يقول فيلسوفكم [ثُورو]: [تنظرون، ولكنّكم لا تَرون] فمتى ستُبصرون؟!