كشف استطلاع رأي حديث أجرته شبكة “أفروبارومتر” أن غالبية الشباب المغاربة يتطلعون بتفاؤل إلى مستقبلهم داخل المملكة، إلا أن هذا الأمل لا يخفي قلقاً متزايداً يدفع عدداً مهماً منهم إلى التفكير في الهجرة بحثاً عن فرص أفضل في الخارج.
و بحسب نتائج الاستطلاع، عبّر حوالي 73 في المائة من الشباب المشاركين عن اعتقادهم بأن المغرب “يسير في الاتجاه الصحيح”، وهي نسبة تعكس ثقة نسبية في مستقبل البلاد، بالرغم من التحديات العديدة. كما أبدى 54 في المائة منهم تفاؤلهم بتحسن الأوضاع الاقتصادية خلال السنة المقبلة، في مؤشر على تمسك جزء مهم من الشباب المغربي بالأمل في التغيير الإيجابي.
في المقابل، تشير نتائج الدراسة إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة الشباب الذين يفكرون في مغادرة البلاد. فقد صرح أكثر من ربع المستجوبين، أي 28 في المائة، بأنهم فكروا “كثيراً” في الهجرة، مقارنة بـ20 في المائة فقط سنة 2017. وتُظهر هذه الأرقام أن التفكير في الهجرة لم يعد خياراً هامشياً، بل أصبح اتجاهاً واسع الانتشار يعكس تحولات عميقة في نظرة الشباب إلى واقعهم وفرصهم داخل الوطن.
وفي التفاصيل، قال 15 في المائة إنهم “يفكرون نوعاً ما” في الهجرة، بينما تفكر نسبة 21 في المائة “قليلاً” في الأمر، مقابل 34 في المائة أكدوا أنهم لا يفكرون في الهجرة إطلاقاً و عند الحديث عن أسباب الرغبة في الهجرة، تصدرت “البحث عن فرص عمل أفضل” قائمة الدوافع، حيث أشار 54 في المائة من الشباب الراغبين في الهجرة إلى هذا السبب. كما عبّر 12 في المائة عن رغبتهم في تحسين آفاقهم التجارية، بينما يطمح 12 في المائة آخرون إلى متابعة تعليمهم العالي في الخارج. وتوزعت بقية الأسباب بين الرغبة في الهروب من الفقر بنسبة 10 في المائة، وحب السفر بنسبة 4 في المائة.
و من بين أبرز العوامل التي تدفع الشباب المغربي إلى التفكير في الهجرة، أشار الاستطلاع إلى وجود فجوة واضحة بين التكوين الأكاديمي ومتطلبات سوق الشغل. فقد عبّر 34 في المائة من الشباب عن اعتقادهم بأن عدم التوافق بين التعليم والتوظيف يشكل عائقاً رئيسياً أمام الحصول على فرص عمل. كما ذكر 18 في المائة أن نقص الخبرة يمثل حاجزاً إضافياً يحرمهم من دخول سوق العمل بفعالية.
ويعزز هذا الواقع الشعور بالإحباط في صفوف الشباب، خصوصاً في ظل ضعف فرص الشغل، إذ أوضح الاستطلاع أن 21 في المائة من الشباب يبحثون بنشاط عن عمل دون أن ينجحوا في الظفر بفرص مناسبة.
من جهة أخرى، أظهر الاستطلاع تراجعاً في ثقة الشباب في سياسات الحكومة المرتبطة بالتشغيل. فقد أبدت فقط 20 في المائة من العينة رضاها عن جهود الحكومة في خلق فرص العمل، فيما لم تتجاوز نسبة الرضا عن سياسات الحكومة في الحفاظ على استقرار الأسعار 14 في المائة. وتؤكد هذه الأرقام على اتساع الهوة بين البرامج الرسمية وتطلعات الشباب، الذين يشعرون أن احتياجاتهم وتطلعاتهم لا تجد ترجمة واقعية على أرض الواقع.
و يعكس استطلاع “أفروبارومتر” صورة مزدوجة عن الشباب المغربي: فبينما يظل التفاؤل حاضراً لدى نسبة كبيرة منهم بشأن مستقبل المغرب، تتزايد في المقابل نسبة الذين يفكرون في الهجرة نتيجة الإحساس بضعف الفرص الاقتصادية والاجتماعية. وبين الأمل في الإصلاح والرغبة في الرحيل، يبدو أن صانعي القرار مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالإنصات لانتظارات الشباب ووضع سياسات حقيقية تُعيد الثقة وتفتح أمامهم آفاقاً أرحب داخل وطنهم.