في بلادنا لازال الالتزام الضريبي حكرا على طبقة، ونقيضه التهرب الضريبي ملاذا لطبقات، شركات بهيلُمانها وأشخاص ذاتيون بعينهم نافذون يتملّصون تحايلا ونصبا من هذا الالتزام..
تقرير دولي حديث العهد حول العدالة الضريبية في سنة 2020، كشف أن المغرب يتكبد خسارة سنوية تفوق 521 مليون دولار جراء التملص الضريبي فيما تتكبّد خزينة الدولة سنويا أيضا 452 مليون دولار جراء التحايل الضريبي للشركات المغربية وتهربها من أداء الضريبة عن الأرباح غير المصرح بها، وهو ما يمثل 20.3 في المائة من معدل التحصيل الضريبي المفروض.
في بلادنا ، خصوصا في العُشرية الأخيرة، وعلى عهد حكومتي أغلبية “العدالة والتنمية” بالذات، حقَنُونا سخيف القول بالإصلاح الضريبي. بشعارات العدالة الضريبية أيضا ،شنّفوا مسامعنا ولازالوا يشنفون، فيما ظل المغرب في اللائحة الرمادية الأقرب إلى السوداء للـ” جنّات الضريبية”، بل ضمن أوائل الدول الشهيرة بالتهرب الضريبي، وظل الكادحون من صغار الأجراء والمستخدمين والفلاحين والتجار هم الملزَمون بالأداء الضريبي، وإطلالة بسيطة على كُشوفات المديرية العامة للضرائب تؤكد أن هؤلاء الصغار هم أول الملتزمين وأخلص الأوفياء عن طيب خاطر وبالغصب.
ردح طويل من الزمن بين المُناظرة الوطنية الأولى للضرائب ( الجبايات)التي انعقدت في نونبر 1999 والمناظرة الوطنية الثانية للإصلاح الضريبي التي انعقدت في نهاية أبريل 2014. خمسة عشرة سنة فارق زمني ،ظل الحال خلالها على ما كان عليه، والاستنتاج الأكبر هو أن التهرب الضريبي نيّة مبيّتة، وانعقاد المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات في ماي 2019 كرّست وتكرس أن واقع الحال من المُحال وأن الإصلاح الضريبي سيظل ورشا مفتوحة أبوابه إلى حين، وأن العدالة الضريبية في ميزان لايستقيم إلا إذا أصبحت قولة “المغاربة سواسية أمام القانون ” فعلا على أرض الواقع لا حبرا على ورق ، وإلا اندثر ما نتوصل به من بتقارير دولية تحز في أنفسنا جسامة الخسائر السنوية التي نتكبدها من التملص الضريبي لأشخاص معينين ولمقاولات أشهر من نار على علَم، تدعي المواطنة وما لها من المواطنة الحقيقية على أرض الواقع بصلة تذكر..
من النية المُبيتة في تعطل الإصلاح الضريبي وتأخر” قوْمة” فعلية لعدالة ضريبية، نفهم النية المبيتة مثلها من وضْع العراقيل في عجلة مشروع قانون الإثراء غير المشروع الذي استقر في رفوف البرلمان قبل خمس سنوات من الآن ، من دون أن يخرج للمناقشة، فبالأحرى أن يخرج إلى المصادقة عليه ليرصع منظومة باقي القوانين والتشريعات الضامنة لـ” تحصيل” الحقوق المالية النافعة للبلاد والعباد.نفهم أيضا أن حجم الثروة الحقيقية التي تضيع على المغرب والمغاربة من التهرب الضريبي سنويا للعديد من النافذين، تضاهيها ثروة أخرى وتزيد من الثروات ” المسكوت عنها”، من العَصِيّ جدا رصدها، فبالأحرى بسط اليد عليها ووضعها تحت سؤال من أين لك هذا، فيبقى من المستبعد جدا، أما التصريح الواضح بها وإخضاعها إلى شبكة ضريبية فمن سابع المستحيلات لتحقيقه. نفهم أيضا أن لوبي المستفيدين من التهرب الضريبي ولوبي المستفيدين من الإثراء غير المشروع سيان، إن لم يكن مِن بين مَن يتفننون في التملص الضريبي هم أنفسهم من يتفنّون في الإثراء غير المشروع ،يشكلون في الأخير”عُصبة”منيعة لمراكمة الثروات دون استفادة الدولة منها، ولتبقى الضريبة حكرا على الكادحين..