الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. أخيرا تفطن من يهمه أمر بلادنا إلى أن هذه الجغرافية لها تاريخ، ومهما كان الحال فإن تأسيس “دار تاريخ المغرب” أمر مهم للغاية، في وقت صارعنا فيه بقوة من أجل الحفاظ على الجغرافيا إلا أن التاريخ يكاد يضيع منا، ولعل الدار تكون في المستوى المطلوب لإنجاز ما تأخرنا عن إنجازه، وكلما غابت حقيقة التاريخ حضرت الأساطير لتملأ الفراغ.
يعتبر التاريخ أكثر المواد العلمية تعرضا للتزييف، لكن يمكن محاربة هذه الظاهرة بإعادة كتابة التاريخ إن كان مكتوبا وتدوينه إن كان شفويا، وليس مفروضا في جيلنا أن يعتمد تاريخ الجيل السابق أو الذي سبقه، لأننا حينها سنكون “سلفيين” في موضوع يحتاج للتجديد، فكل جيل قادر على كتابة تاريخه وإن لم يفعل ضاع منه الحاضر ولم يمسك بالمستقبل.
تاريخنا ليس هو تاريخ آبائنا وتاريخ آبائنا ليس هو تاريخ أجدادنا، لأن رواية الوقائع وتوثيقها وأساليب ذلك تختلف من جيل إلى آخر، وكلما تقدمنا في الزمن تطورت أدوات التحقيق، وبالتالي نحن اليوم أقدر على كتابة تاريخ يمثلنا.
التاريخ مثل عناصر التاريخ يمكن أن يباع ويشترى ويُسرق من قبل الأغيار. لكن يمكن استعادة عناصر التاريخ أما التاريخ إذا وقع في يد الآخر تاه وسط محاكم غير عادلة. نقول بالتفصيل البسيط، يمكن أن يتم سرقة تحف فنية تاريخية تمثل حقبا معينة، ويمكن أن يتم سرقة آثار نفيسة، ولكن طال الزمن أو قصر يمكن الدفاع عنها واستعادتها، وكثير من الدول استعادت عناصر كثيرة من مسروقاتها.
لكن إذا ضاع التاريخ وسرقه الغير وحرفه وزوره فلن يعود أبدا، خصوصا إذا كان هذا الآخر خصما سياسيا، فالاستعمار حاول في كثير من الأحيان تزوير التاريخ، دون أن نشير إنصافا إلى وجود مؤرخين أجانب ذوي مصداقية، لكن نحن اليوم أمام معركة مختلفة، فكثير من تاريخنا يريد أن يسرقه خصم سياسي يشترك معنا في الجغرافية وفي جزء من التاريخ والعقيدة.
نشير هنا إلى أنه لا توجد كلية في جامعة جزائرية لا يوجد فيها قسم خاص بتاريخ المغرب، تُصرف عليه أموال طائلة، الغرض منه الاطلاع على التاريخ المغربي وتحريفه وتربية الأجيال على المنجز المحرف، بينما أغلب شعب التاريخ في المغرب تائهة في قضايا تحصيلية غير علمية، بينما أدق أنواع العلوم هو التاريخ وليس موضوعا للاستظهار.
وليس المؤرخون وحدهم المسؤولين عن تاريخ بلادنا، ولكن كل المؤسسات المعنية بإنجاز الأرشيف، وعلى رأسها مؤسسة أرشيف المغرب، والمركز السينمائي، الذي يوزع الأموال على مشاريع أفلام بئيسة أحيانا، فلو خصص الدعم لإنجاز عمل سينمائي ضخم يسوق لتاريخ المغرب المتفق عليه لكان أحسن وأرقى وأجود.
دار تاريخ المغرب هي دار الجميع في انفتاحها نجاح للجميع وفي انغلاقها مثلما يحدث في كثير من المؤسسات قتل للتاريخ المغربي ومساعدة على سرقته.