نبهت دراسة جديدة، من إضعاف “الرشوة” بالمغرب للرغبة في الاستثمار، محذرة من كونها تهدد التماسك الاجتماعي، و تؤثر سلبا على حماس الفاعلين الاقتصاديين وهو ما يساهم في إضعاف التنمية في البلاد بشكل كبير، حيث أفادت دراسة بعنوان ” الرشوة النسقية كعامل ومؤشر للتنمية”، أعدتها “ترانسبرانسي المغرب”، أن “الرشوة في المغرب مستمرة ومتفشية ومدمرة”، وهو ما تكشف عنه عدد من المؤشرات، من بينها مؤشر إدراك الرشوة المصنف للمملكة سنة 2020 في الرتبة الـ86 من أصل 186 دولة.
وأشارت الدراسة، إلى أن 53 في المائة من المغاربة صرحوا في استطلاع أجرته سنة 2019 بأن مستوى الرشوة قد ارتفع، ولاحظت “ترانسبارنسي المغرب” أن “الحكومات المتعاقبة في المغرب منذ سنة 1998 جعلت محاربة الرشوة أولوية؛ لكن على الرغم من ذلك فإن الفساد استمر في الازدهار، ولا يزال 74 في المائة من المواطنين يعتقدون أن الحكومة تقوم بعمل سيء لمحاربة الفساد”.
وجاء في الدراسة التي شارك في إعدادها خبراء اقتصاديون منهم سعيد الدخيسي وعز الدين أقصبي ونجيب أقصبي وأحمد برنوصي وعزيز مسعودي وكمال مصباحي ورشيد مكناسي وسلوى زرهوني، فإن ظاهرة الرشوة تقلل من حجم الاستثمار بسبب عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ لدى الفاعلين الاقتصاديين، ناهيك عن زيادة التكاليف في المشاريع. كما تضعف هذه الظاهرة من الرغبة في الاستثمار، وبالتالي الحد من جاذبية التراب الوطني.
وذكرت الدراسة أن “الرشوة تشجع الريع وتحمي الأنشطة غير القانونية”، كما أن أوضحت أن “الفساد السياسي والعلاقة بين المجالين السياسي والاقتصادي عوامل تساعد على تطوير وضعيات الريع، وتقوض أسس المؤسسات لأن مصداقيتها تعتمد على ثقة المواطنين تجاهها”.
ووفق خبراء “ترانسبرانسي المغرب”، فإن الرشوة تزيد من اختلال توازنات الاقتصاد الوطني من خلال ممارسات عديدة؛ من بينها التهرب الضريبي الذي يضيع على الدولة إيرادات مهمة، كما يؤدي الفساد إلى هروب رأس المال وتفاقم العجز التجاري والديون الخارجية.
وعلى المستوى الاجتماعي، تؤثر ظاهرة الرشوة على التماسك الاجتماعي، ويتجسد ذلك في فقدان مصداقية المؤسسات وقدرتها التنظيمية، وترجيح المصالح الخاصة على المصالح العامة وتفاقم التفاوتات الاجتماعية والمجالية، مما يضعف الشعور بالانتماء والتضامن الوطنيين.
وترى “ترانسبارنسي المغرب” أن القطع مع الرشوة والفساد والمضي في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يتطلب توفر شرطين ضروريين؛ أولهما اعتماد سياسة منهجية لمكافحة الرشوة والشروع في إصلاحات تمكن من الفصل بين المجالين السياسي والاقتصادي، والثاني يهم تهيئة الظروف الفعالية لتنفيذ مبدأ المساءلة والحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية.
وتؤكد الدراسة على أهمية تطبيق مبدأ المساءلة في جميع مستويات الإدارة، وتحيين النصوص القانونية والتنظيمية وتطوير الاجتهاد القضائي، ومحاربة الفساد من خلال التعليم وتبني القيم الأخلاقية، وتشجيع الشركات على المسؤولية الاجتماعية واعتماد الحكامة الجيدة.
و تقترح “ترانسبارانسي المغرب” اعتماد الرقمنة في الإدارة كعامل لمحاربة الرشوة وخصوصا الصغيرة منها، وتبني المثالية من خلال ضمان المساءلة الإلزامية وترقية المسؤولين الذين يظهرون النزاهة في أداء واجباتهم.