شيء جيد أن تتواصل المؤسسات العمومية مع الصحفيين ومن خلالهم المواطنين، وكان لافتا أن يجمع أحمد رحو، رئيس مجلس المنافسة الصحفيين، في محاولة ليشرح لهم الطريقة التي يتم بها تحديد الأسعار، حتى لا يواصلوا الكتابة عن الأسعار التي تشتعل كل يوم. كان على السيد رحو أن يعطي درسا لفصل من فصول الدراسات الاقتصادية، لأن أغلب الصحفيين يعرفون كيف يتم تحديد الأسعار، لكن ما لا نعرفه هو كيف يفكر المسؤولون، الذين أمرهم جلالة الملك محمد السادس ببناء الدولة الاجتماعية.
الكل يعرف أن السوق الدولية تتحكم في تحديد أسعار عشرات المواد الاستهلاكية وغيرها، وخصوصا المحروقات، التي تعرف هذه الأيام بفعل الحرب الروسية الأوكرانية صعودا مهولا، رغم أن الأثمنة الحالية المرتفعة جاءت قبل الحرب ويعلم الله وحده أين ستصل الأسعار في مقبل الأيام بعد الصعود الذي يعرفه برميل النفط والذي يتجه نحو أرقام فلكية.
المؤسسات العمومية هي أدوات في يد الحكومة، ولا نعرف اليوم هل الحكومة تريد معاملتنا باعتبارنا مواطنين أم ستستمر في معاملتنا كزبناء؟ إذا كنا بهذه الصفة الأخيرة فلها الحق في أن تترك للسوق تحديد الأسعار وتتحول هي إلى حكومة “سوقية” مهمتها جمع الضرائب. أما إذا كانت تريد معاملتنا كمواطنين فإن الأسعار الحالية وحتى التي سبقتها لا تتساوق مع الرواتب التي يحصل عليها المغربي، خصوصا وأن الأغلبية من هم في سوق الشغل الآن يحصلون على “السميك” أو ما بعده بشيء ضئيل جدا.
الحد الأدنى للأجر في بعض الدول، التي لا يختلف فيها سعر المحروقات عن الأسعار في المغرب، قد يصل إلى 15 ألف درهم مغربية، وبالتالي لا مجال للمقارنة، فهل تريد الحكومة أن يعيش المواطن بهذه الطريقة الفظيعة؟
إذا تركت الحكومة السعر للسوق وفق ما قال رحو فهذا يعني أن أغلب المغاربة سيركنون سياراتهم جنب الشارع ولن يحركوها أبدا لأن الوضع لا يسمح لهم بذلك. كلنا نعرف كيف تتم صناعة الأسعار لكن في دول ليبرالية تتم فيها المنافسة على أشدها، وليس بلد مثل بلدنا لا يستطيع أي تاجر أن يشتغل في المحروقات أو غيرها، وفي بلد يحصل فيه العمال والموظفون على أجور محترمة وليس على أجور زهيدة.
فجلالة الملك محمد السادس ومنذ توليه العرش وهو يدفع في اتجاه بناء الدولة الاجتماعية، ومعناها أن الدولة تتحمل جزء من التكلفة عندما ترتفع، والدليل هو التكلفة الباهظة التي تحملتها الدولة خلال جائحة كورونا، سواء فيما يتعلق بتحمل الدولة لجزء من مصاريف المغاربة من خلال صرف تعويضات لمن فقدوا شغلهم نتيجة الإغلاق الشامل، أو تحمل تكاليف اللقاح الكاملة، حيث تم تلقيح ثلثي المغاربة أو أكثر بالجرعة الثانية وأكثر من ستة ملايين بالجرعة الثالثة، وهذا مفهوم الدولة الاجتماعية، حيث تتحمل الدولة جزءا من التكلفة الناتجة عن اضطرابات الوضع.