إدريس عدار
أصبحت عبارة “عندي ما يُگال”.. من أشهر الكلام الذي يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي. عبارة أطلقها مستشار جماعي نواحي سيدي بنور. مستشار في جماعة قروية. اتخذ منها البعض وسيلة للتسلية، وهذا حق للناس. لكن الأغلبية ركزت على الشكل ونسيت الجوهر.
شكلا، نحن أمام رجل بدوي لا يمكن أن ينمق الكلمات.
مضمونا يطول النقاش. أطلق اتهامات خطيرة في دورة رسمية لمجلس جماعي. المفروض أن يتم فتح تحقيق فيها.
والأهم، هو من أين لنا بمستشارين من هذا النوع؟
القانون لا يفرض فيه أن يكون متعلما فبالأحرى أن يتوفر على تكوين، والتعليم في الحضيض كما ترون، بمعنى حتى لو ولج المدرسة قد يخرج منها كما ولدته أمه.
القانون لا يشترط سوى شهادة الدروس للمستشار الذي يرغب في أن يرشح نفسه لرئاسة الجماعة الترابية. يعني أي مواطن مغربي من حقه أن يترشح للجماعة الترابية، ويقوم بتدبير الشأن العام، ويقوم بتدبير الميزانية، المستقطعة من جيوب دافعي الضرائب، والأمر لا يتعلق بصاحب عبارة “عندي ما يُگال”، ولكن آلاف من المستشارين الجماعيين ليس لهم تعليم نهائي وبعضهم تعليمهم بسيط، وبالنظر للسياق فإن التعليم، الذي يؤدي إلى مغادرة الآلاف المدرسة دون أن يستوعبوا القراءة والكتابة، لا يمكن أن ينتج مستشارا جماعيا قادرا على “فك الخط”.
رئيس جماعة ترابية يدير ميزانية، قل شأنها أو كبر، لا يحتاج سوى إلى الشهادة الابتدائية، وحتى التعليم القرآني، ويتم استئمانه على ميزانية عمومية.
حدثني صديقي الذي أصبح مستشارا جماعيا، أنه خلال إحدى الدورات اقترح أحد الأعضاء بناء مركب سياحي في جماعة يوجد فيها “حانوت” واحد.
ولو تطوع باحث لجمع طرائف المجالس لخرج بكتاب مهم جدا. وسيكون مهما في دراسة النخب التي تدير الشأن العام.
لكن بحثا يبقى ضروريا والأرقام المتعلقة متوفرة لدى وزارة الداخلية، ويتعلق بالمستوى التعليمي للمستشارين الجماعيين. حتى نعرف كم لدينا من مستشار جماعي “عنده ما يُگال”، وحتى نعرف نوع النخب التي تتصرف في ميزانيات عمومية. قد يقال إن القانون لا يرحم ومن “فرّط كرّط”، لكن هل استرجعت الدولة في يوم من الأيام درهما منهوبا؟ ما الفائدة من متابعة منتخبين بعد أن تكون الميزانيات قد طارت. طبعا “طيران” الميزانيات لا علاقة له بالمستوى التعليمي، فقد يكون المتعلم أكثر مهارة في إبداع أشكال الاختلاس. لكن غير المتعلم يسهل جره إلى التدبير “الفاسد” حتى لو كان هو صادقا.
فرغم أن التعليم في المغرب ضعيف لكن القانون ينبغي أن يتغير جذريا فيما يتعلق بالترشيح للجماعات الترابية والبرلمان. فرغم أن الاشتراك في اللصوصية والصدق يشمل كافة المستويات الاجتماعية، فإن تدبير الشأن العام لا يمكن أن يكون في يد غير المتعلمين.
“عندي ما يُگال”.. عبارة بدوية عفوية، لا ينبغي تحويلها إلى وسيلة للمسخرة، ولكن ينبغي أن تكون حافزا لتغيير الوضع القانوني للمستشار الجماعي.